كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 18)

[سورة التغابن (64): آية 3]
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) تَقَدَّمَ «1» فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، أَيْ خَلَقَهَا حَقًّا يَقِينًا لَا رَيْبَ فِيهِ. وَقِيلَ: الْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ خَلَقَهَا لِلْحَقِّ وَهُوَ أَنْ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بالحسنى. (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) يَعْنِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، خَلَقَهُ بِيَدِهِ كَرَامَةً، لَهُ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ. الثَّانِي: جَمِيعُ الْخَلَائِقِ. وَقَدْ مَضَى مَعْنَى التَّصْوِيرِ، وَأَنَّهُ التَّخْطِيطُ وَالتَّشْكِيلُ «2». فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَحْسَنَ صُوَرَهُمْ؟ قِيلَ لَهُ: جَعَلَهُمْ أَحْسَنَ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ وَأَبْهَاهُ صُورَةً بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ صُورَتُهُ عَلَى خِلَافِ مَا يَرَى مِنْ سَائِرِ الصُّوَرِ. وَمِنْ حُسْنِ صُورَتِهِ أَنَّهُ خُلِقَ مُنْتَصِبًا غَيْرَ مُنْكَبٍّ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ «3» [التين: 4] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أَيِ الْمَرْجِعُ، فَيُجَازِي كُلًّا بعمله.

[سورة التغابن (64): آية 4]
يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (4)
تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. فَهُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ والشهادة، لا يخفى عليه شي

[سورة التغابن (64): آية 5]
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (5)
الْخِطَابُ لِقُرَيْشٍ أَيْ أَلَمْ يَأْتِكُمْ خَبَرُ كُفَّارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ. (فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) أَيْ عُوقِبُوا. (وَلَهُمْ) فِي الْآخِرَةِ (عَذابٌ أَلِيمٌ) أَيْ مُوجِعٌ. وَقَدْ تقدم «4»
__________
(1). راجع ج 6 ص 384 وج 7 ص (19)
(2). راجع ص 48 من هذا الجزء.
(3). راجع ج 20 ص (113) [ ..... ]
(4). راجع ج 1 ص 198

الصفحة 134