كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 18)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ابن عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الزُّنْبُورِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَهَذَا جَوَابٌ فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ، أَفْتَى بِجَوَازِ قَتْلِ الزُّنْبُورِ فِي الْإِحْرَامِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ يَقْتَدِي فِيهِ بِعُمَرَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِقَبُولِ مَا يَقُولُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَوَازُ قَتْلِهِ مُسْتَنْبَطٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِ عِكْرِمَةَ حِينَ سُئِلَ عَنْ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَقَالَ: هُنَّ أَحْرَارٌ فِي سُورَةِ" النِّسَاءِ" عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «1» [النساء: 59]. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ «2» وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ) فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ! فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ! فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ! أَمَا قَرَأْتِ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا! قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ .. الْحَدِيثَ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ فِي" النِّسَاءِ" «3» مُسْتَوْفًى. التَّاسِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) وَإِنْ جَاءَ بِلَفْظِ الْإِيتَاءِ وَهُوَ الْمُنَاوَلَةُ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ، بدليل قوله تعالى: وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فَقَابَلَهُ بِالنَّهْيِ، وَلَا يُقَابَلُ النَّهْيُ إِلَّا بِالْأَمْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَهْمِ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مَعَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاة السلام: (إذا) هامش (
__________
(1). راجع ج 5 ص 259 وص 392.
(2). المتنمصات:) جمع متنمصة) وهى التي تنتف الشعر من وجهها. والمتفلجات: (جمع متفلجة) وهى التي تتكلف أن تفرق بين منها من الثنايا والرباعيات.
(3). راجع ج 5 ص 259 وص 392.

الصفحة 18