قوله: «لَقَدْ كُنْتَ» أي يقال له: لَقَدْ كُنْتَ، والقول إما صفة أو حال. والعامة على فتح التاء في «كُنْتَ» والكاف في «غِطَاءَكَ» و «بَصُرَكَ» حملاً على لفظ «كل» من التذكير. والجَحْدَريّ: كُنْتِ بالكسر مخاطبة للنفس. وهو وطلحة بن مصرف: {عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ} بالكسر مراعاة للنفس أيضاً. ولم ينقل صاحب اللوَّامح الكسر في الكاف عن الجَحْدَري، وعلى كل فيكون قد راعى اللفظ مرةً والمعنى أُخْرَى.
فصل
والمعنى {لقد كنت في غفلة من هذا} اليوم فكشفنا عنك الذي كان في الدنيا وعلى قلبك وسمعك وبصرك {فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} نفاذ تبصر ما كنت تنكر في الدنيا. وقال مجاهد: يعني نظرك على لسان ميزانك حيث توزن حسناتكَ وسيِّئَاتُكَ. والمعنى أزلنا غَفْلَتَك عنك فبصرك اليوم حديد وكان من قبل كليلاً.
قوله تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هذا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} قيل: المراد بالقرين: الملك الموكل به وهو القعيد والشهيد الذي سبق ذكره {هذا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} يريد كتاب أعماله معدٌّ محضَرٌ. وقيل: المراد بالقرين الشيطان الذي زين له الكفر والعصيان بدليل قوله: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [فصلت: 25] وقال: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36] وقال تعالى: {فَبِئْسَ القرين} [الزخرف: 38] فالإشارة بهذا السَّوْق إلى المرتكب للفجور والفسوق. والقعيد معناه المعتد الناد ومعناه أن الشيطان يقول: هذا العاصي شيء هو عندي معتد لجهنم أعتدته لها بالإغواء والإضلال.
قوله: {هذا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} يجوز أن تكون «ما» نكرة موصوفة و «عتيد» صفتها و «لَدَيَّ» متعلق بعَتِيدٍ أي هذا شيء عتيدٌ لدي أي حاضر عندي ويجوز على هذا أن يكون «لَدَيَّ» وصفاً ل «ما» و «عتيد» صفة ثانية، أو خبر مبتدأ محذوف أي هو عتيدٌ، ويجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي و «لَدَيّ» صلتها ولَدَيَّ خبر الموصول والموصول وصلته خبر الإشارة ويجوز أن تكون «ما» بدلاً من هذا موصولة كانت أو موصوفة