كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 18)

أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله، فرأيت الاستبشار فى وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وروى أبو عمر بن عبد البر بسنده إلى ابن عباس رضى الله عنهما، قال: لما بلغ أبا ذر مبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة قال لأخيه أنيس: اركب إلى هذا الوادى، فاعلم لى علم هذا الرجل الذى يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ايتنى؛ فانطلق حتى قدم مكة وسمع من قوله ثم رجع، فقال:
رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وسمعت منه كلاما ما هو بالشعر. قال: ما شفيتنى فيما أردت، فتزوّد وحمل شنّة له فيها ماء حتى قدم مكة فأتى المسجد، فالتمس النبىّ صلّى الله عليه وسلّم ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه الليل، فاضطجع فرآه علىّ بن أبى طالب؛ فقال: كأنّ الرجل غريب، قال: نعم، قال انطلق إلى المنزل، قال: فانطلقت معه لا يسألنى عن شىء ولا أسأله، فلما أصبحت من الغد رجعت إلى المسجد، وبقيت يومى حتى أمسيت وصرت إلى مضجعى، فمرّ بى علىّ بن أبى طالب، فقال: أما آن للرّجل أن يعرف منزله؟ فأقامه وذهب به معه، وما يسأل واحد منهما صاحبه عن شىء، حتى إذا كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك، فأقامه علىّ معه، ثم قال: ألا تحدّثنى ما الذى أقدمك هذا البلد؟ قال:
إن أعطيتنى عهدا وميثاقا لترشدنى فعلت؛ ففعل؛ فأخبره علىّ أنه نبىّ، وأنّ ما جاء به حقّ، وأنّه رسول الله، قال: فإذا أصبحت فاتّبعنى، فإنى إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأنّى أريق الماء، فإن مضيت فاتبعنى حتى تدخل مدخلى، قال:
فانطلقت أقفوه حتى دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ودخلت معه وحبيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتحيّة الإسلام، فقلت: السلام عليك يا رسول الله! فكنت أوّل من حياه بتحية الإسلام، فقال: «وعليك السلام، من

الصفحة 6