كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 18)

وأما دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - على قوم ودعاؤه لآخرين بالتوبة، فإنما كان على حسب ما كانت ذنوبهم في نفسه، فكان يدعو على من اشتد أذاه على المسلمين، وكان يدعو لمن يرجو نزوعه ورجوعه إليهم، كما دعا لدوس حين قيل له: إن دوسًا قد عصت وأبت، ولم يكن لهم نكاية ولا أذى، فقال: "اللَّهُمَّ اهد دوسًا وائت بهم" وأما هؤلاء فدعا عليهم لقتلهم المسلمين، فأجيبت دعوته فيهم، وقد سلف هذا المعنى في أول الاستسقاء وسنزيده وضوحًا في كتاب: الدعاء في باب: الدعاء على المشركين (¬1).
ومعنى: ("اشدد وطأتك"): بأسك وعقوبتك، أو أخذتك الشديدة. وقال الداودي: الوطأة: الأرض وقال ابن فارس: الأخذة (¬2).
وقوله: ("اهزمهم وزلزهم") دعاء عليهم ألا يسكنوا ولا يستقروا، مأخوذ من الزلزلة، وهي اضطراب الأرض. وقال الداودي: أراد أن تطيش عقولهم وترعد أقدامهم عند اللقاء فلا يثبتوا.
وحديث السلا يستدل به مالك وغيره ممن يرى بطهارة روث المأكول لحمه، وانفصل من قَال بنجاسته بأنه لم يكن تعبد بذلك، وأيضًا فليس في السلا دم فهو كعضو منها، فإن قلت: هو ميتة؛ لأن ناحرها وثني مشرك.
فالجواب: إن ذلك قبل تحريم ذبائح أهل الأوثان، كما كانت تجوز مناكحتهم، وروي أيضًا أنه كان مع الفرث والدم ولكنه كان قبل التعبد بتحريمه.
¬__________
(¬1) "شرح ابن بطال" 5/ 111 - 112.
(¬2) "مجمل اللغة" 4/ 929 مادة: (وطي).

الصفحة 21