كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 18)

قَالَ الطحاوي: واختلف في تأويله، فذهب قوم إلى أن من قَالَ: لا إله إلا الله فقد صار بها مسلمًا، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، واحتجوا به.
وخالفهم آخرون فقالوا: لا حجة لكم عليه فيه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما يقاتل قومًا لا يوحدون الله تعالى، فكان أحدهم إذا وحَّد الله علم بذلك تركه لما قوتل عليه، وخروجه منه، ولم يعلم بذلك دخوله في الإسلام أو في بعض الملل التي توحد الله وتكفر بجحدها رسله وغير ذَلِكَ من الوجوه التي تكفر بها مع توحيدهم الله تعالى، كاليهود والنصارى يوحدون الله تعالى ولا يقرون برسوله، وفي اليهود من يقول: إن محمدًا رسول الله إلى العرب خاصة، فكان حكم هؤلاء ألا يقاتلوا إذا وقعت هذِه الشبهة حَتَّى تقوم الحجة على من يقاتلهم بوجوب قتالهم.
وقد أمر الشارع عليًّا حين وجهه إلى خيبر وأهلها يهود بما رواه ابن وهب، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دفع الراية إلى علي حين وجهه إلى خيبر قَالَ: "امض ولا تلتفت حَتَّى يفتح الله عليك" فقَالَ علي: علام. أقاتلهم؟ قَالَ: "حَتَّى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذَلِكَ فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" (¬1)، ففي هذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قد أباح له قتالهم وإن شهدوا أن لا إله إلا الله حَتَّى يشهدوا أن محمدًا رسول الله، وحتى يعلم عليٌّ خروجهم من اليهودية، كما أمر بقتال عبدة الأوثان حَتَّى يعلم خروجهم مما قوتلوا عليه، وقد أتى قوم من اليهود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
¬__________
(¬1) رواه مسلم (2405) كتاب: فضائل الصحابة, باب: من فضائل علي بن أبي طالب، عن قتيبة بن سعيد، ثنا يعقوب، به.

الصفحة 43