كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 18)

إذا تقرر ذَلِكَ؛ فالكلام عليه من وجوه:
أحدها: معنى: (ورى بغيرها). سترها ووهم بغيرها، يريد: طلب غزوه العدو لئلا يسبقه الجواسيس ونحوهم بالتحذير، إلا إذا كانت سفرة بعيدة فيستحب أن يعرفهم بعدها كما جرى في هذِه الغزوة؛
للتأهب، وأمن ألا يسبقه إليها الخبر لبعد الشقة التي بينه وبينها وقفرها، وهذا من خداع الحرب، وأصله من الوري وهو جعل البيان وراءه كأن من ورى عن شيء جعله وراءه. قَالَ أبو علي الفسوي: أصله من الوراء. كأنه قَالَ: لم يشعر به من ورائي. كأنه قَالَ: سأستر بكذا، وأصحاب الحديث لا يضبطون الهمزة فيه، وتصغيره: ورية، ويجوز أن تجعل الهمزة غير أصلية. وتجعلها منقلبة من واو أو ياءٍ، فيكون تصغير وراء: ورية، وأصله: وريية وتسقط واحدة منهما كما (قلب) (¬1) في عطاء: عُطَيّ والأصل عطيي فتقول: وريت عن كذا وكذا بغير همزة. وقال الخطابي: التورية في الشيء الذي يليك وتجاوزت لما وراءه (¬2).
ثانيها: المفازة: المهلكة، سميت بذلك تفاؤلًا بالفوز والسلامة، كما قالوا للديغ: سليم، وذكر ابن الأنباري عن ابن الأعرابي أنها مأخوذة من قولهم: قد فَوَّزَ الرجل إذا هلك، وقيل: لأن من قطعها فاز ونجا (¬3).
ثالثها: قوله: (فجلا للمسلمين أمرهم). أي: أظهره ليتأهبوا بذلك، وهو مخفف اللام، يقال: جليت الشيء إذا كشفته وبينته وأوضحته،
¬__________
(¬1) في (ص1): قلت.
(¬2) "أعلام الحديث" 2/ 1411.
(¬3) "الأضداد" ص104 - 105 (59).

الصفحة 51