كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 18)

قَال: فَرَجَمَهَا
ــ
إنما قاله بعد فطامه برضاعة أمه وأراد بالرضاعة كفايته وتربيته وسماه رضاعًا مجازًا.
(قال) بريدة: (فرجمها) رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أمر برجمها بعد انفطام ولدها برضاعتها إياه وقد اختلفت الروايات في رجمها متى كان هل كان قبل فطام الولد أو بعد فطامه؟ والأولى رواية من روى أنها لم ترجم حتى فطمت ولدها ووجدت من يكفله لأنها مثبتة حكمًا زائدًا على الرواية الأخرى التي ليس فيها ذلك ولمراعاة حق الولد وإذا روعي حقه وهو جنين فلا ترجم لأجله بالإجماع فمراعاته إذا خرج للوجود أولى ويستفاد من هذه الرواية أن الحدود لا يبطلها طول الزمان وهو مذهب الجمهور وقد شذ بعضهم فقال: إذا طال الزمان على الحد بطل قاله أبو حنيفة في الشهادة بالزنا والسرقة القديمين وهو قول لا أصل له اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٥/ ٣٤٧ و ٣٤٨]، والنسائي في الكبرى [٧١٦٣].
قوله: (قال: فرجمها) ظاهره يخالف الرواية الآتية أنها لما ولدت جاءت بالصبي في خرقة قالت: هذا قد ولدته قال: فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبزة فقالت: يا نبي الله هذا قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فرجموها قال النووي: فهاتان الروايتان ظاهرهما الاختلاف فإن الثانية صريحة في أن رجمها كان بعد فطامه وأكله الخبز والأولى ظاهرها أنه رجمها عقب الولادة ويجب تأويل الأولى وحملها على وفق الثانية لأنها قضية واحدة والروايتان صحيحتان والثانية منهما صريحة لا يمكن تأويلها والأولى ليست صريحة فيتعين تأويل الأولى ويكون قوله في الرواية الأولى قام رجل من الأنصار فقال إليَّ رضاعه إنما قاله بعد الفطام وأراد بالرضاعة كفالته وتربيته وسماه رضاعًا مجازًا وبالجملة في الرواية الثانية عدة أوهام أخرى كما سيأتي ونسبوها إلى بشير بن مهاجر فيحتمل أيضًا أن تكون الرواية الأولى صحيحة وأما الرواية الثانية فيحتمل أن تكون من جملة أوهامه الأخرى والله أعلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث بريدة رضي الله عنه فقال:

الصفحة 459