كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 18)

فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَال: "أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيئًا؟ " فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إلا وَفِيَّ الْعَقْلِ. مِنْ صَالِحِينَا. فِيمَا نُرَى. فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ. فَأَرْسَلَ إِلَيهِمْ أَيضًا
ــ
داود عن ابن عباس جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا مرتين فطرده ثم جاء وأما رواية الثلاث فكان المراد الاقتصار على المرات التي رده فيها وأما الرابعة فإنه لم يرده بل استثبت فيه وسأل عن عقله لكن وقع في حديث أبي هريرة عند أبي داود ما يدلّ على أن الاستثبات فيه إنما وقع بعد الرابعة ولفظه فأقبل في الخامسة فقال: تدري ما الزنا إلى آخره والمراد بالخامسة الصفة التي وقعت عند السؤال والاستثبات لأن صفة الإعراض وقعت أربع مرات وصفة الإقبال عليه للسؤال وقع بعدها كذا في فتح الباري [١٢/ ١٢١].
ولكن لا يخفى ما في هذا الجمع من التكلف وذهب بعض العلماء إلى أن بشير بن مهاجر قد وهم في هذا الحديث قال ابن القيم في تهذيب السنن [٦/ ٣٥١] وهذا الحديث فيه أمران سائر طرق حديث مالك في الموطإ تدل على خلافهما أحدهما أن الإقرار منه وترديد النبي صلى الله عليه وسلم كان في مجالس متعدّدة وسائر الحديث يدل على أن ذلك كان في مجلس واحد والثاني: ذكر الحفر فيه والصحيح في حديثه أنه لم يحفر له والحفر وهم ويدل عليه أنه هرب وتبعوه وهذا والله أعلم من سوء حفظ بشير بن مهاجر وقد تقدم قول الإمام أحمد إن ترديده كان في مجلس واحد إلّا ذلك الشيخ بشير بن مهاجر.
وبشير بن مهاجر هذا لم يخرج له البخاري وقال الإمام أحمد: منكر الحديث قد اعتبرت أحاديثه فإذا هو يجيء بالعجب وقال أبو حاتم: يكتب ولا يحتج به وقال العقيلي مرجئ متهم متكلم فيه وقال الساجي: منكر الحديث فحديثه مثله لا يستبعد فيه الأوهام عند مخالفته الثقات.
(فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه) فجاؤوا إليه (فقال) لهم: (أتعلمون بعقله بأسًا) أي خللًا هل (تنكرون منه شيئًا) من المنكرات (فقالوا: ما نعلمه إلَّا وفيَّ العقل) أي كامله هو (من صالحينا) أي ممن يراعي حقوق الله وحقوق العباد (فيما نرى) من ظاهر حاله على فتح النون وأما بضمها فهو بمعنى نظن (فأتاه) صلى الله عليه وسلم المرة (الثالثة فأرسل إليهم) أي إلى قومه (أيضًا) أي كما أرسل إليهم في المرة

الصفحة 461