كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 18)

فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ. فَرَمَى رَأْسَهَا. فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ. فَسَبَّهَا. فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا. فَقَال: "مَهْلا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً، لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ"
ــ
قاله أبو حنيفة غير أنه وقع في كتاب أبي داود من حديث الغامدية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حصاة مثل الحمصة فرماها به وهي رواية شاذة مخالفة للمشهور من حديث الغامدية اهـ من المفهم.
وقوله: (فيقبل) مضارع بمعنى الماضي للدلالة على أن الواقعة حاضرة في ذهن المتكلم كأنها تقع الآن فهو لحكاية الحال الماضية وهو كثير في كلام العرب أي فأقبل (خالد بن الوليد) بن المغيرة بن عبد الله القرشي المخزومي سيف الله أسلم في صفر سنة ثمان وشهد غزوة مؤتة وكان الفتح على يديه له ثمانية عشر حديثًا الصحابي المشهور رضي الله عنه وفيه دليل على أن قصة الغامدية وقعت بعد شهر صفر من سنة ثمان وذلك لأن خالد بن الوليد إنما جاء إلى المدينة مسلمًا في أول يوم من صفر سنة ثمان كما في طبقات ابن سعد [٤/ ٢٥٢] فثبت بهذا الحديث أن قصة الغامدية وقعت بعد نزول سورة النور فإنها نزلت في السنة الخامسة من الهجرة.
(بحجر فرمى رأسها فتنضخ الدم على وجه خالد) أي تطاير متفرقًا وهو بالخاء المعجمة قال النووي: روي بالحاء المهملة وبالمعجمة والأكثرون على المهملة والعين النضاخة الفوارة بالماء الغزير الذي يسيل ويتفرق وقد روي بالحاء المهملة وهو الرش الخفيف وهو أخف من النضخ بالخاء المعجمة والمعنى ترشش الدم وانصب على وجه خالد (فسبها) أي فسب خالد الغامدية أي شتمها لما أصابه دمها (فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إيَّاها فقال) نبي الله صلى الله عليه وسلم لخالد: (مهلًا) أي كف نفسك (يا خالد) عن سبها ففيه دليل على أن من أقيم عليه الحد لا يسب ولا يؤذى بفحش كلام (فـ) ـأقسمت بالإله (الذي نفسي بيده) المقدسة (لقد تابت) هذه الغامدية (توبة) نصوحًا (لو تابها صاحب مكس لغفر له) والمكس بفتح الميم وسكون الكاف دراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الجاهلية واسم الفاعل منه ماكس وأصل المكس النقص فكأن الماكس إذا أخذ درهمًا انتقص من ثمن السلعة قال القرطبي: صاحب المكس هو الذي يأخذ من الناس ما لا يلزمهم شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر ولا شك في أنه من أعظم

الصفحة 464