كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 18)

نَعَمْ. فَاقْضِ بَينَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَائْذَنْ لِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قُلْ" قَال: إِن ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هذَا
ــ
الكلام مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث استأذنه ولم يكن في كلامه من الجفوة ما كان في كلام الأول ودلت هذه الكلمة على أن الفقه ليس مجرد علم بالمسائل الفقهية وإنما هو أدب وخلق ووضع كل شيء في محله المناسب عمليًّا ويحتمل أيضًا أن يكون الراوي عارفًا بهما قبل أن يتحاكما فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول إما مطلقًا وإما في هذه القصة الخاصة قاله ابن سيّد الناس في شرح الترمذي كما في فتح الباري.
وقال القرطبي: إنما فضل الراوي الثاني على الأول لأن هذه الجملة مدرجة من كلام الراوي أي وإنما فضله عليه بالفقه لأن الثاني ترفق ولم يستعجل ثم تلطف بالاستئذان في القول بخلاف الأول فإنه استعجل وأقسم على النبي صلى الله عليه وسلم في شيء كان يفعله بغير يمين ولم يستأذن وهذا كله من جفاء الأعراب فكان للثاني عليه مزية في الفهم والفقه ويحتمل أن يكون ذلك لأن الثاني وصف القضية بكمالها وأجاد سياقها (نعم فاقض بيننا) يا رسول الله (بكتاب الله) تعالى وحكمه والجملة الجوابية مقول قال: وما قبلها معترض مدرج من كلام الراوي كما مرّ آنفًا وفيها الجمع بين نعم وما نابت عنه (و) لكن (ائذن لي) يا رسول الله في الكلام (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم قل) ما شئت فقد أذنت لك فـ (ـقال) هذا الخصم الآخر كما هو ظاهر سياق الكلام خلافًا للكرماني ولكن ردّ عليه الحافظ في الفتح [١٣/ ١٣٩] بما وقع في كتاب الشروط من صحيح البخاري عن عاصم بن علي عن ابن أبي ذئب بلفظ (فقال: صدق اقض له يا رسول الله بكتاب الله إن ابني هذا إلخ ... ) فإنه كالصريح في أن المتكلم هو الثاني لا الرجل الأول أي فقال: هذا الخصم الثاني (إن ابني) ووقع في رواية عند البخاري في المحاربين (إن ابني هذا) فهذا مما يدل على أن ذلك الابن كان حاضرًا عند هذا الكلام (كان عسيفًا) أي أجيرًا وجمعه عسفاء كأجير وأجراء وفقيه وفقهاء (على هذا) إشارة إلى خصم المتكلم وهو زوج المرأة المزنية لابنه وكان الرجل الأول استخدمه فيما تحتاج إليه امرأته من الأمور فكان ذلك سببًا لما وقع له معها فعلى هنا بمعنى عند أي عند هذا ووقع في رواية عمرو بن شعيب عند النسائي في الكبرى (كان ابني أجيرًا لامرأته) وهو يعني معنى العسيف يطلق على الأجير وعلى الخادم وعلى العبد وعلى السائل وعلى من يستهان به وسمي الأجير عسيفًا لأن المستأجر يعسفه في العمل والعسف: الجور

الصفحة 470