كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 18)

فَإِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَنَتْ. فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا
ــ
رضي الله تعالى عنه (ومن لم يحصن) صرح بهذا دفعًا لما يتوهم من قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَينَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} أن حد الإماء مقصور على من أحصنت منهن فذكر أن ذلك ليس بمراد وإنما يقام الحد على الإماء سواء كن متزوجات أو لا وإنما خص الله تعالى المتزوجات بالذكر حيث قال: (فإذا أحصن) إلخ ... لبيان أنه لا فرق في مقدار الحد بين المتزوجات من الإماء وغير المتزوجات منهن فإنه كان يتوهم أن عقوبة المتزوجات منهن تغلظ كما تغلظ عقوبة الحرائر فذكر أنها لا تغلّظ فيهن وإنما يعاقبن بنصف ما على الحرائر من العذاب في كلتا الصورتين وأن عذاب الحرائر الذي يمكن تنصيفه هو الجلد فيضربن خمسين جلدة سواء كن متزوجات أو لا والله سبحانه أعلم (فإن أمةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها). وهذه الأمة لم أقف على اسمها والظاهر أنها لم تكن جارية للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما كانت جارية لبعض أهله صلى الله عليه وسلم وذلك لما أخرجه أبو داود بلفظ فجرت جارية لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستبعد من جواري النبي صلى الله عليه وسلم أن يقع منهن مثل ذلك وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جوار مارية القبطية وريحانة وجميلة وجارية وهبتها له زينب بنت جحش وذكر بعضهم فيهن ربيحة القرظية اهـ عيون الأثر لابن سيد الناس ص (٣١١).
قال القرطبي: قوله: (فإن أمةً لرسول الله زنت) كذا جاء في كتاب مسلم وفي كتاب أبي داود (فجرت جارية لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم) وظاهره أن هذه الجارية كانت لبعض عشيرته وهذه الرواية أحسن من رواية مسلم وأليق بحال من ينتسب لحضرة بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وملكه استصحابًا لما شهد الله تعالى به من الطهارة لذلك الجناب الكريم كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: ٣٣] وكيف يليق بمن كان في مثل هذا البيت الكريم وبمن صح له ذلك الملك الشريف أن تقع منه فاحشة الزنا هذا والله من البعد على الغاية القصوى فإن العبد من طينة سيده ألا ترى أنه لما أكثر المنافقون على مارية في ابن عمها الذي كان يزورها بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ليقتله فدخل عليه فلما رآه كشف عن فرجه فإذا هو أجب فقرأ علي {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} الآية هذا كله مع احتمال أن يراد بآل محمد نفسه ويحتمل أن تكون هذه الأمة

الصفحة 494