كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 18)

أَمْسِكْ. ثُمَّ قَال: جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ. وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ. وَعُمَرُ ثَمَانِينَ. وَكُلٌّ سُنَّةٌ. وَهذَا أَحَبُّ إِلَيَّ
ــ
لعبد الله: (أمسك) يدك عن جلده (ثم قال) علي: (جلد النبي صلى الله عليه وسلم أوبعين وجلد أبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل) ما فعله العمران (سنة).
قال السندي في حواشي ابن ماجه: (قوله: وكل سنة) مطلق السنة عند الصحابة ينصرف إلى سنة البي صلى الله عليه وسلم ففيه أنه صلى الله عليه وسلم أحيانًا كان يجلد ثمانين أيضًا اهـ وقوله: (وهذا أحب إليَّ) إشارة إلى ثمانين بدليل أن الذي أشار على عمر بإقامة الحد ثمانين هو علي كما سبق عن الموطإ اهـ من الهامش.
قال القرطبي (وقول عثمان لعلي: قم يا علي فاجلده) دليل على أن الحد إنما ينبغي أن يقيمه بين أيدي الخلفاء والحكام وفضلاء الناس وخيارهم وكذلك كانت الصحابة تفعل كلما وقع لهم شيء من ذلك وسبب ذلك أنه قيام بقاعدة شرعية وقربة تعبدية تجب المحافظة على فعلها وقدرها ومحلها وحالها بحيث لا يتعدى شيء من شروطها ولا أحكامها ولذلك يجب عند جميع العلماء أن يختار لها أهل الفضل والعدل إذا أمكن ذلك مخافة التعدي في الحدود وقد وقع في زماننا من جلد في الخمر ثمانين فتعدى عليه الضارب فقتله بها وحرمة دم المسلم عظيمة فتجب مراعاتها بكل ممكن.
و(قول علي: قم يا حسن فاجلده) دليل على أن من استنابه الإمام في أمر فله أن يستنيب من يتنزل منزلته في ذلك الأمر و (قول الحسن ولِّ حارها) إلخ يعني به ولِّ شدة إقامة الحد من تولى إمرة المسلمين وتناول حلاوة ذلك وقوله: (فكأنه وجد عليه) أي غضب عليه لأجل توقفه فيما أمره به وتعريضه بالأمراء و (قوله فقال: يا عبد الله قم فاجلده) يحتمل أن يكون الأمر لعبد الله عليًّا فكأنه أعرض عن الحسن لما توقف ويحتمل أن يكون الحسن استناب عبد الله فيما أمره به علي طلبًا لرضا علي والله تعالى أعلم.
و(قوله: فجلده وعليٌّ يعد حتى بلغ أربعين فقال: أمسك) ظاهر هذا أنه لم يزد على الأربعين وفي البخاري من حديث المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود وذكر هذا الحديث طويلًا وقال في آخره: إن عليًّا جلد الوليد ثمانين رواه البخاري في [٣٦٩٦]، وهذا يعارض ما ذكره مسلم هنا غير أن حديث حضين أولى لأنه مفصل في مقصوده حسن في مساقه وساقه مساق رواية المثبت والأقرب أن بعض الرواة وهم في

الصفحة 504