متوافرون، فلم يدفعه منهم أحدٌ، بل عَلِمنا بعضَهم صارَ إليه عن روايتها، منهم عروة بن الزبير، وقد دَفَع وأنكرَ الوضوءَ من مَسِّ الذَّكرِ قبل أن يسمعَ الخبرَ، فلما عَلِمَ أن بُسْرةَ رَوتْهُ قال به وتَرَك قولَه)) (معرفة السنن ١/ ٣٩٤).
وقال ابنُ حزمٍ: ((وقال بعضُهم: هذا مما تعظم به البلوى، فلو كان لما جهله ابنُ مسعودٍ، ولا غيرُهُ منَ العلماءِ! ! وهذه حماقةٌ، وقد غابَ عن جمهورِ الصحابةِ رضي الله عنهم الغُسل من الإيلاج الذي لا إنزال معه، وهو مما تكثر به البلوى. ورأى أبو حنيفةَ الوضوءَ منَ الرُّعافِ -وهو مما تكثر به البلوى-، ولم يَعرفْ ذلك جمهورُ العلماءِ. ورأى الوُضُوءَ من ملء الفم من القَلْس، ولم يره من أقل من ذلك. وهذا تعظم به البلوى، ولم يَعرفْ ذلك أحدٌ من ولد آدم قبله. ومثل هذا لهم كثير جدًّا.
ومثل هذا من التخليط لا يُعارِض به سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مخذول)) (المحلى ١/ ٢٤٠).
وقال أبو العباسِ الدَّاني: ((وأما قولهم: (إن هذا مما تعم به البلوى، فكيف تنفردُ به امرأةٌ؟ ! ) فلعلَّه قد كان مستفيضًا عند الصحابة إذ كانوا متوافرين، واكتفَوا بشهرته عندهم عن نقله. وإنما وقعَ الخلافُ فيه بعد أن ذهبَ معظمهم، فاحتيج إلى بُسْرةَ لتأخر وفاتها، ولما أَخبرتْ به لم يُنكِر ذلك عليها أحدٌ منَ الصحابةِ)) (الإيماء ٤/ ٢٧٠ - ٢٧١).
أما الجواب عن الأمر السادس -وهو مخالفتها لأكثر الصحابة، وما رُوي عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من تركِ الوُضُوءِ مِن مَسِّ الذَّكَرِ- فإن عبدَ اللهِ بنَ عمرَ وغيرَهُ ذهبوا إلى حديثِ بُسْرةَ وعملوا به. وقد سَبَقَ عن أحمدَ أن الوضوءَ من مَسِّ الذَّكرِ أكثر عن الصحابة. وما جاءَ من حديثِ طَلْقٍ وغيرِهِ في معارضة حديثها فإن العلماءَ لم يتفقوا على قَبولِهِ، بل الأكثر على تضعيفه، كما