كتاب سنة الترك ودلالتها على الأحكام الشرعية

وقد تضمن هذا التعريف قُيودًا أربعة:
القيد الأول: أن يكون هذا الأمر المَتْرُوك مقدورًا عليه من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أن التَّرْك - حسبما تقدم في التعريف اللغوي - عدم فعل المقدور عليه.
وبهذا القيد يخرج ما تَرَكَه - صلى الله عليه وسلم - لعدم القدرة عليه؛ فإن هذا النوع من الترك لم يوجد معه القصد إلى الترك (¬1).
وهذا على التحقيق لا يسمى تَرْكًا؛ لكونه غير داخل تحت حقيقة التَّرْك؛ إذ الترك مخصوص بترك فعل المقدور عليه.
ومن الأمثلة على ذلك: تركه - صلى الله عليه وسلم - الإتيان بالمستجدات الواقعة بعد عصره - صلى الله عليه وسلم - مع وجود مقتضيها؛ كتركه - صلى الله عليه وسلم - استعمال مكبرات الصوت الحديثة في نقل الأذان وتكبيرات الإمام والخطبة فهي غير مقدور عليها.
وقد مثل ابن تيمية لذلك بتركه - صلى الله عليه وسلم - دخول الحمامات، وذلك أن هذه الحمامات لم تكن معروفة ولا متوافرة في بلاد المسلمين قبل الفتوحات.
قال رحمه الله: ليس لأحد أن يحتج على كراهة دخولها أي الحمامات أو عدم استحبابه بكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدخلها ولا أبو بكر وعمر، فإن هذا إنما يكون حجة لو
¬_________
(¬1) انظر: مجموع الفتاوى (20/ 314).

الصفحة 39