كتاب الانتصار لأهل الأثر المطبوع باسم «نقض المنطق» (اسم الجزء: الكتاب)

الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] كيف استوى؟ فأطرق مالكٌ وعَلَاه الرُّحَضاءُ ــ يعني العَرَق ــ, وانتظر القومُ ما يجيءُ منه فيه, فرفع رأسه إليه وقال: «الاستواء غيرُ مجهول، والكيفُ غير معقول، والإيمانُ به واجب، والسؤالُ عنه بدعة، وأحسبُك رجلَ سوءٍ» , وأمَر به فأُخْرِج (¬١).
ومَنْ أوَّل الاستواءَ بالاستيلاء فقد أجاب بغير ما أجاب به مالكٌ وسلك غيرَ سبيله.
وهذا الجوابُ من مالك - رضي الله عنه - في الاستواء شافٍ كافٍ في جميع الصفات، مثل: النزول, والمجيء، واليد، والوجه, وغيرها, فيقال في مثل النزول: النزولُ معلوم، والكيفُ مجهول، والإيمانُ به واجب، والسؤالُ عنه بدعة. وهكذا يقال في سائر الصفات ــ إذ هي بمثابة الاستواء ــ الوارد بها (¬٢) الكتابُ والسُّنة.
وثبت عن محمد بن الحسن ــ صاحب أبي حنيفة ــ أنه قال: «اتفق الفقهاءُ كلُّهم من الشرق والغرب (¬٣) على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقاتُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الرب عزَّ وجلَّ من غير تفسيرٍ (¬٤) ولا
---------------
(¬١). «ذم التأويل» (١١). أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (٨٦٧) بإسناد صحيح, وروي من طرق كثيرة, قال الذهبي في «العلو» (٣٧٧): «هذا ثابتٌ عن مالك».
(¬٢). (ط): «به». أي الاستواء, وهو محتمل.
(¬٣). (ذ): «الشرق إلى الغرب».
(¬٤). قال المصنف في «الفتوى الحموية» (٣٢٩): «أراد به تفسير الجهمية المعطلة الذين ابتدعوا تفسير الصفات بخلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون من الإثبات».

الصفحة 7