كتاب إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد

كَانَ الْكل قابلين لأخبار الْعُدُول عاملين بِمَا يجب عَلَيْهِم من قبُول خبر الْمَنْقُول فَالْكل مجتهدون وَلَكِن تخالفت الْآثَار وتفاوتت الأنظار وَمن هُنَا نَحوه وَقع اخْتِلَاف الْمُجْتَهدين فِي عدَّة مسَائِل من أُمَّهَات الدّين وَالْكل مأجورون بِالنَّصِّ الثَّابِت مِنْهُم من لَهُ أجر وَمِنْهُم من لَهُ أَجْرَانِ وَمن هُنَا علمت أَن اخْتِلَاف الْأَئِمَّة فِي تَصْحِيح خبر من إِمَام وتضعيفه من إِمَام آخر ناشىء عَمَّا تلقوهُ من أَخْبَار الْعُدُول عَن الروَاة فَهَذَا لإِمَام لم يبلغهُ عَن الروَاة هَذَا الْخَبَر الَّذِي حكم بِصِحَّتِهِ إِلَّا الْعَدَالَة والضبط فصحح أخبارهم وَلِهَذَا تَجِد من يتعقب بعض الْأَحَادِيث الَّتِي صححها إِمَام بقوله كَيفَ تَصْحِيحه وَفِيه فلَان كَذَّاب وَنَحْو هَذَا وَمَعْلُوم أَن من صحّح هَذَا الحَدِيث لم يبلغهُ أَن فِي رِجَاله كذابا وَهَذَا لإِمَام بلغه من أَحْوَال رُوَاة ذَلِك الْخَبَر أَو بَعضهم عدم الْعَدَالَة وَسُوء الْحِفْظ أَو انْقِطَاع الْخَبَر أَو شذوذه حكم عَلَيْهِ بِعَدَمِ الصِّحَّة وَهَذَا مَعْرُوف من جبلة الْعباد وطبائعهم فَمن النَّاس من يغلب عَلَيْهِ حسن الظَّن فِي النَّاس وتلقي أَقْوَالهم بِالصّدقِ وَمن النَّاس من لَهُ نباهة وفطنة وَطول خبْرَة لأحوال النَّاس فَلَا يَكْتَفِي بِالظَّاهِرِ بل يفتش عَن الْحَقَائِق فَيَقَع على الْحق وَالصَّوَاب وَلذَا أطبق النقاد أَن مَا صَححهُ الشَّيْخَانِ مقدم على مَا صَححهُ غَيرهمَا فِي غير مَا انتقد عَلَيْهِمَا كَمَا يَأْتِي عِنْد التَّعَارُض ثمَّ مَا انْفَرد البُخَارِيّ بِتَصْحِيحِهِ مقدم على مَا انْفَرد بِهِ مُسلم وَمَا ذَاك إِلَّا لحذاقة البُخَارِيّ ونقادته ومعرفته بأحوال الروَاة وَغَيره مِمَّن صحّح يقبلُونَ

الصفحة 115