كتاب رسالة في الكلام على أحكام خبر الواحد وشرائطه - ضمن «آثار المعلمي»
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحِجر: ٩]، والذكر يشمل أحكام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، إن لم يكن بلفظه فبمعناه، لأن المقصود من حفظ القرآن هو أن تبقى الحجة قائمة إلى يوم القيامة، وأحكامه - صلى الله عليه وآله وسلم - مما يُحتاج إليه في قيام الحجة في فروع الشريعة.
وقد قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] (¬١). فاحتج بالآية على أنه لا يمكن أن يُلْصَقَ بالشريعة ما ليس منها، بحيث لا يتيسر لعالم بيانُ أنه ليس منها. فكذلك يُحتجُّ بها على أنه لا يمكن أن يسقط من الشريعة شيء، بحيث لا يبقى لعالمٍ طريقٌ إلى إثبات أنه منها (¬٢).
فنحن نسأل المخالف أو المرتاب: هل كانت جميع الأحكام التي حكم بها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مما ليس بظاهر لنا من القرآن خاصةً بأصحابه، أم عامةً لهم ولمن بعدهم؟
فإن قال: خاصة، فقد كابر وجحد ما هو معلوم من الإسلام بالضرورة.
وإن قال: ما ثبت ثبوتًا قطعيًّا فهو لازم لمن بعد الصحابة، وما لم يثبت
---------------
(¬١) "الكفاية" (ص ٧٧)، "فتح المغيث" (١/ ٢٦٠).
(¬٢) انظر في هذا الوجه من الاستدلال: "الإحكام" (٣/ ٧٤٦)، "الموافقات" (٢/ ٥٩).
الصفحة 126
363