كتاب رسالة في الكلام على أحكام خبر الواحد وشرائطه - ضمن «آثار المعلمي»
قوية التأثير حتى في نفوس مَن ظاهرُهم العدالة، وذلك كالعداوة والبغضاء المحتمل وجودها بين الشهود والمشهود عليه، وإن لم تظهر، وكالميل والعصبية منهم للمشهود له، وكالرشوة التي يحتمل أنهم أخذوها منه.
الأمر الثاني: أن شرائط قبول الرواية للحديث أشد وأحوط من شرائط قبول الشهادة، كما يُعلم بمراجعة الموضعين. ونخص بالذكر منها التعديل، فإن معدِّل الشاهد يكتفي بأنه قد جاوره أو عامله أو رافقه في السفر فلم ير منه ما يُسقط عدالتَه، وأما معدِّل الراوي فإنه لا يكتفي بذلك حتى ينظر في كثير من أحاديث الراوي، وينظر عمن روى، وكيف روى، إلى غير ذلك مما يعلم من محله.
الأمر الثالث: أن الرواة غالبًا من أهل العلم والدين الذين اعتنوا بطلب العلم، وكثرت مجالستهم لأهله، وأما الشهود فيكثر أن يكونوا من عامة الناس.
الأمر الرابع: أن معدِّلي الرواة أئمة مشهورون بالعلم والدين والتحقيق والزهد والتقوى، ومعدِّلو الشهود ليسوا في الغالب كذلك.
الأمر الخامس: أن المنفِّرات عن الكذب والتساهل في الرواية عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أكثر وأشدُّ من المنفِّرات عن الكذب والتساهل في الشهادة:
أولًا: أن الكذب على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كفر، كما ذهب إليه جماعة من أهل العلم، وأوضحتُه في موضع آخر (¬١)، وليس الكذب في الشهادة كذلك.
ثانيًا: لأن الراوي يعلم عظم المفسدة إن كذب أو تساهل، وهي أن يُتديَّن بما رواه ويُعمل به ويُحكم به في قضايا لا تحصى، والشاهد يعلم خفة المفسدة إن كذب أو تساهل في شهادته، وإنما هي ــ مثلًا ــ أن يحكم لهذا
---------------
(¬١) في "كتاب العبادة".
الصفحة 151
363