كتاب رسالة في فرضية اتباع السنة، والكلام على تقسيم الأخبار وحجية أخبار الآحاد - ضمن «آثار المعلمي»

لأنهم فوقهم ودون الرب عز وجل، ثم الملائكة يعبدون الله عز وجل؛ لأنهم مقربون عنده.
فجَرَوا على ذلك مدة، ثم نشأ فيهم فرعون، فقال: درجة الملائكة عالية، وبينهم وبين البشر بون بعيد، فعبادة عامة البشر للملائكة فيها توهين للملائكة. فقال قومه: وكيف نصنع؟ قال: إن بين عامة الناس وبين الملائكة واسطة، وهي ملوكهم، فإن المَلِك ما نال المُلكَ إلا بعناية من الملائكة تدل أنه محبوب عندهم مرضي لديهم مقرب إليهم، وعلى كل حال فدرجته فوق درجة العامة. فعلى العامة أن يعبدوا السلطان، [ص ٤١] والسلطان يعبد الملائكة، والملائكة يعبدون الرب عز وجل.
وقد أوضحتُ هذا بأدلته من القرآن والتاريخ في رسالة "العبادة".
ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف: ١٢٧].
أي: أن موسى لم يقنع بأن يذر عبادتك ويساويك فيعبد آلهتك الملائكة، بل ترقَّى عن ذلك فترك عبادة آلهتك الملائكة، وادَّعى مساواتهم في أنه يعبد الرب مباشرة.
وقد قصَّ الله عز وجل عن فرعون قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: ٣٨] فتدبر.
وتمام هذا والجواب عما يورد عليه في رسالة "العبادة".
هذا، ولعامة أمم الشرك أشياء من هذا القبيل. أعني أنهم يكونون على هدى، ثم يقصِّرون في الاهتداء بهدي الأنبياء والتمسك بآثارهم، ويستغنون بعقولهم وأفكارهم؛ فيهلكون.

الصفحة 55