كتاب رسالة في فرضية اتباع السنة، والكلام على تقسيم الأخبار وحجية أخبار الآحاد - ضمن «آثار المعلمي»

قال: ثم هو منتقض بالفتوى والشهادة.
أقول: قولكم "مقطوع به"، أتريدون مقطوع بأنه قد كان، أم بأنه مستمر؟
لا سبيل إلى الثاني، كما لا يخفى، وأما الأول فلا يلزم من كون زيد كان حيًّا العامَ الماضي قطعًا أن يكون حيًّا اليوم. إذن، فحياته اليوم محتملة فقط، وأما الحكم باستصحاب الأصل فإنما هو لمعانٍ:
منها: أنه قد يساعده الظاهر، كما لو كان حيًّا صحيحًا بالأمس، فإن الظاهر أنه حيٌّ اليومَ؛ لأنّ موت الفجأة قليل.
ومنها: أن يكون الأصل عدمًا، وإقامة الحجة على بقاء العدم مما يصعب، وذلك كما لو عهدناها زوجته فإنه من الصعب إقامة الحجة على أنه لم يطلق. إلى غير ذلك.
وكذلك هنا، فإن الأشياء لا تحصى، والأفعال لا نهاية لها، فلم يعتن الشارع بتعداد المباحات لأنها لا تحصى، ولا بتعداد ما ليس بعبادة من الأفعال لأنها لا نهاية لها.
بل اعتنى بالدلالة على المحرمات والمكروهات من الأشياء والأفعال، وعلى الواجبات والمندوبات من الأفعال، فكان إثبات النص في كل شيء أن الشارع لم يحرمه ولم يكرهه، وفي كل فعل أنه لم يحرمه ولم يكرهه، ولم يوجبه ولم يندبه = متعذرًا.
فإذا لم نجد في الشرع دليلًا على تحريم شيء أو فعل ولا كراهته، كان الظاهر أنه مما ترك، وإنما ترك الشارع المباحات.
وكذلك إذا لم نجد دليلًا على وجوب الفعل ولا ندبه، كان الظاهر أنه مما ترك، وإنما ترك الشارع ما ليس بعبادة.

الصفحة 80