كتاب رسالة في فرضية اتباع السنة، والكلام على تقسيم الأخبار وحجية أخبار الآحاد - ضمن «آثار المعلمي»

لك به علم.
وأما المعنى الثاني: فيقويه سلامته من الخدش المذكور، فإنه إذا كان المراد كانت كلمة "ما" مرادًا بها الآثار. فكأنه قيل: ولا تتبع الآثار التي ليس لك بها علم، أي: بأنها حق.
لكن يُعكِّر عليه أنه لا يظهر معه تعليل النهي بقوله: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ ... }.
وأما المعنى الثالث: فهو سالم من ذاك الخدش وهذا التعكير. فإن كلمة "ما" يكون المراد بها: الآثار التي لا يعلم القافي غرضَ صاحبها منها وسرَّه فيها، فيقفوها يتسمع ويسترق البصر ويتظنّى، وذلك كأن ترى زيدًا ذاهبًا فتنظر أين ذهب، فتراه سلك دربًا، ثم دخل دارًا، ثم جلس فيها إلى إنسانٍ، فمخرجه ومسلكه ومدخله ومجلسه من جملة آثاره، فإذا لم تعلم غرضَه منها وسرَّه فيها، فتتبَّعتَها تبحث وتتسمع وتسترق البصر [ص ٥٤] وتتظنّى = فقد قفوت آثاره التي ليس لك بها علم. وذاك هو التجسس.
ويقويه أنه قد قرئ في الشّواذّ: (ولا تَقُفْ) بضم القاف وسكون الفاء، من القوف. وأنشد في "لسان العرب" (¬١):
أعوذ بالله الجليل الأعظمِ ... من قَوفِيَ الشيءَ الذي لم أعلم
ولكن الذوق لا يطمئن إلى أن يكون المراد بقوله: {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}: مداخل الناس، ومخارجهم، ومسالكهم، ومجالسهم.
---------------
(¬١) (١١/ ٢٠٢) مادة "قوف". وانظر "تهذيب اللغة" (٩/ ٣٢٦).

الصفحة 86