كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 19)

فيما مضى كنتَ بالأعيادِ مسرورًا ... أسرَّكَ العيدُ في أغماتَ مأسورا
قد كانَ دهرُكَ إن تأمُرْه ممتثلًا ... فردَّكَ الدَّهرُ منهيًّا ومأمورا
مَنْ باتَ بعدَكَ في ملكٍ يُسَرُّ بهِ ... فإنَّما باتَ بالأحلامِ مغرورا
أرى بناتي في أغماتَ من عدمٍ ... يغزِلْنَ للناس لا يملِكْنَ قِطْميرا
يَمْشينَ في الأرضِ والأقدامُ حافيةٌ ... وطال ما وطِئَتْ مسكًا وكافورا
وتوفي في هذه السنة، وقيل: في سنة ثمان وثمانين، أقام في الأسر أربع سنين، ورثاه ابن اللَبَّانة (¬1) فقال: [من البسيط]
لكلِّ شيءٍ من الأشياء ميقاتُ ... وللمنى من مناياهنَّ غاياتُ
والدَّهرُ في صبغة الحرباءِ مُنْغمِسٌ ... ألوانُ حالاتهِ فيها استحالاتُ
ونحنُ من لُعَبِ الشطرنجِ في يدِهِ ... ورُبما قُمِرَتْ بالبيدقِ الشاةُ
انفُضْ يديكَ من الدُّنيا وساكِنِها ... فالأرضُ قد أقفرَتْ والناسُ قد ماتوا
وقُلْ لعالمها الأرضيِّ قد كُتِمَتْ ... سريرةُ العالمِ العلويِّ أغماتُ
طوَتْ مظلَّتُها لا بَلْ مذَّلتُها ... من لم يَزلْ فوقَهُ للعزِّ راياتُ
مَنْ كان بين النَّدى والبأس أنصلُهُ ... هندية وعطاياه هنيداتُ
وكان مثلَ عيانِ العينِ تُبصِرهُ ... وللأمانيِّ في مرآه مرآةُ
رماه مِنْ حيثُ لم تستُرْهُ سابِغةٌ ... دهرٌ مصيباتُهُ نيلٌ مصيباتُ
وبدرُ سبعٍ وسبعٌ تستنيرُ بهِ ... السبعُ الأقاليمُ والسبعُ السماواتُ
له وإن كانَ أخفاهُ السَّرارُ سنًّا ... مثلُ الصباحِ به تُجلى الدجنَّاتُ
لهفي على آلِ عبَّادٍ فإنهمُ ... أهِلَّةٌ ما لها في الأُفْقِ هالاتُ
فُجِعْتُ منهم بإخوانٍ ذوي ثقةٍ ... فاتوا وللدهرِ في الإخوانِ آفاتُ
واعتضْتُ في آخرِ الصحراءِ طائفةً ... لغاتُهُمْ في جميعِ الكُتْبِ مُلغاةُ
بمغرب العُدْوةِ القُصوى دُجًى أملي ... فهَلْ لهُ بديار الشرقِ مِشْكاةُ
ذكر أولاده
كان له أولاد، منهم: يزيد، يُلقَّب بالراضي، وكان فاضلًا، ومن شعره يذمُّ الدنيا: [من المتقارب]
¬__________
(¬1) هو محمد بن عيسى أبو بكر الداني المعروف بابن اللَّبانة. السير 19/ 373.

الصفحة 484