كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 19)
السنة التاسعة والأربعون وأربع مئة
فيها في المحرَّم استعفى ابن النسوي من ولاية الشرطة ببغداد؛ لاستيلاء العيَّارين واللصوص عليها، بحيث أُقيم تحت تاج الخليفة مَنْ يحفظ الزبازب والطيار الذي للخليفة من الحريق.
وفيه فُتحت واسط، وهرب ابن فَسانْجِس وابن يانس في ثالث عشرة، وأُقيمت الدعوة للقائم، وفي العشر الآخر منه اشتدَّ الغلاء ببغداد، فبِيعت العقارات بالرُّغفان، وأُكِلت الميتات والكلاب والقطاط. قال غرس النعمة: لقد شاهدتُ امرأةً بنهر مُعلَّى ومعها فخذ كلب ميت قد اخضرَّ وجفَّ وهي [تنهشه و] (¬1) تأكله. ورأيتُ امرأةً رمَتْ من سطح طائرًا ميتًا، فاجتمع عليه خمس أنفُس واقتسموه وأكلوه.
وخرب البلد (¬2) والسواد جميعه خرابًا دارسًا، ونقضت الدور الشاطية وغيرها، وسُدَّت أبوابٌ كثيرةٌ مات أهلها [وخلا منها من كان بها] وكان الإنسان يمشي ببغداد في الجانبين فلا يرى إلَّا الواحد بعد الواحد.
وفي المُحرَّم مات [عيسى بن] خميس بن ثعلب صاحب تِكريت، وقَتلَتْ زوجتُه أميرةُ بنت غُريب أخاه أَبا الغشَّام (¬3)، وكان معتقلًا في القلعة، فخافت منه أن يستولي عليها وعلى القلعة، وتسمَّت بعيسى، وقيل: إن عيسى أمرها بقتله، وأصعدت إلى الموصل، فنزلت على [نور الدولة] دُبَيس [بن مزيد] وكان [أبو المعالي] قريش قد خطبها وأرغبها، فمالت إلى عيسى [بن خميس هذا المتوفى وتزوَّجته] , ووقع بين عيسى وقريش لأجلها، وخطب البساسيري، ونزع طاعة قريش، فلما أصعدت إلى الموصل بعث إليها قريش فأطاعته.
[وقال ابن الصابئ: ووجدت في أتون بباب البصرة إنسانًا بصيرًا وآخر ضريرًا كانا يُكديان (¬4) على القنطرة، قد شويا صبيةً صغيرةً في نار التنور وهما يأكلانها، وقد بقي
¬__________
(¬1) ما بين حاصرتين من (م) و (م 1)، وما سيأتي في هذا الجزء من زيادات لم يُشر إليها فهو منهما.
(¬2) تحرفت في (خ) إلى: الولد، والمثبت من باقي النسخ.
(¬3) بعدها في (خ) و (ف) زيادة: عيسى.
(¬4) يُكديان: يُلِحَّان في المسألة. المعجم الوسيط (كدي).
الصفحة 5
559