كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 19)

[تفسير سورة الانفطار]
سُورَةُ الِانْفِطَارِ مَكِّيَّةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَهِيَ تِسْعَ عشرة آية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الانفطار (٨٢): الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) أَيْ تَشَقَّقَتْ بِأَمْرِ اللَّهِ، لِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ، كَقَوْلِهِ: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا [الفرقان: ٢٥]. وَقِيلَ: تَفَطَّرَتْ لِهَيْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْفَطْرُ: الشَّقُّ، يُقَالُ: فَطَرْتُهُ فَانْفَطَرَ، وَمِنْهُ فَطَرَ نَابُ الْبَعِيرِ: طَلَعَ، فَهُوَ بَعِيرٌ فَاطِرٌ، وَتَفَطَّرَ الشَّيْءُ: شُقِّقَ، وَسَيْفٌ فُطَارٌ أَيْ فِيهِ شُقُوقٌ، قَالَ عَنْتَرَةُ:
وَسَيْفِي كَالْعَقِيقَةِ وَهُوَ كِمْعِي ... سِلَاحِي لَا أَفَلَّ وَلَا فُطَارَا «١»
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ «٢». (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) أَيْ تَسَاقَطَتْ، نَثَرْتُ الشَّيْءَ أَنْثُرُهُ نَثْرًا، فَانْتَثَرَ، وَالِاسْمُ النِّثَارُ. وَالنُّثَارُ بِالضَّمِّ: مَا تَنَاثَرَ مِنَ الشَّيْءِ، وَدُرٌّ مُنَثَّرٌ، شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ. (وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) أَيْ فُجِّرَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْحَسَنُ: فُجِّرَتْ: ذَهَبَ مَاؤُهَا وَيَبِسَتْ، وَذَلِكَ أَنَّهَا أَوَّلًا رَاكِدَةٌ مُجْتَمِعَةٌ، فَإِذَا فُجِّرَتْ تَفَرَّقَتْ، فَذَهَبَ مَاؤُهَا. وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير: ١]. (إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) أَيْ قُلِّبَتْ وَأُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنْ أَهْلِهَا أَحْيَاءً، يُقَالُ: بَعْثَرْتُ الْمَتَاعَ: قَلَّبْتُهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَبَعْثَرْتُ الْحَوْضَ وَبَحْثَرْتُهُ: إِذَا هَدَمْتُهُ وَجَعَلْتُ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ. وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمِ الْفَرَّاءُ: بُعْثِرَتْ: أَخْرَجَتْ مَا فِي بَطْنِهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ تُخْرِجَ الأرض
---------------
(١). العقيقة: شعاع البرق الذي يبد وكالسيف. والكمع: الضجيع.
(٢). راجع ج ١٦ ص ٤

الصفحة 244