كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 19)

قَوْلُهُ تَعَالَى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ دُعَاءٌ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ بِالْإِبْعَادِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ قَتْلِ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ إِنَّهُمْ قُتِلُوا بِالنَّارِ فَصَبَرُوا: وَقِيلَ: هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ أُولَئِكَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَ الَّذِينَ أُلْقُوا فِي الْأُخْدُودِ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إِلَى النَّارِ، وَخَرَجَتْ نَارٌ مِنَ الْأُخْدُودِ فَأَحْرَقَتِ الَّذِينَ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ: وَقِيلَ: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ نَجَوْا، وَأَحْرَقَتِ النَّارُ الَّذِينَ قَعَدُوا، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ، وَمَعْنًى عَلَيْها أَيْ عِنْدَهَا وَعَلَى بِمَعْنَى عِنْدَ، وَقِيلَ: عَلَيْها عَلَى مَا يَدْنُو مِنْهَا مِنْ حَافَاتِ الْأُخْدُودِ، كَمَا قَالَ:
وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدَى وَالْمُحَلِّقُ «١»

الْعَامِلُ فِي إِذْ: قُتِلَ، أَيْ لُعِنُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. (وَهُمْ عَلى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) أَيْ حُضُورٌ: يَعْنِي الْكُفَّارَ، كَانُوا يَعْرِضُونَ الْكُفْرَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَمَنْ أَبَى أَلْقَوْهُ فِي النَّارِ وَفِي ذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِالْقَسْوَةِ «٢» ثُمَّ بِالْجَدِّ فِي ذَلِكَ: وَقِيلَ: عَلى بِمَعْنَى مَعَ، أَيْ وَهُمْ: مَعَ ما يفعلون بالمؤمنين شهود.

[سورة البروج (٨٥): الآيات ٨ الى ٩]
وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ) وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ (نَقِمُوا) بِالْكَسْرِ، وَالْفَصِيحُ هُوَ الْفَتْحُ، وَقَدْ مَضَى فِي (بَرَاءَةَ) الْقَوْلُ فِيهِ «٣»: أَيْ مَا نَقَمَ الْمَلِكُ وَأَصْحَابُهُ مِنَ الَّذِينَ حَرَّقَهُمْ: (إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا) أَيْ إِلَّا أَنْ يُصَدِّقُوا: (بِاللَّهِ الْعَزِيزِ) أَيِ الغالب المنيع. (الْحَمِيدِ)
---------------
(١). البيت لأعشى قيس وصدره:
تشب لمقرورين يصطليانها

(٢). في بعض النسخ: (أي بالخلد) بدل (ثم بالجد).
(٣). راجع ج ٨ ص ٢٠٧.

الصفحة 294