كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 19)

المحرم باسم يهيج طباعهم إليه (¬1) عند ذكره، فيكون ذلك الوقوع في المحرم؛ كالنظر للأجنبية، وسماع صوتها، ووصفها بالحسن، وإن لم يرها تحرك الطباع؛ فنهى عنه.
قال القرطبي: وهذا ليس بصحيح؛ لأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينهَ عن تسمية المحرم الذي هو الخمر بالعنب بل عن تسمية العنب بالكرم، وإنما محمل الحديث كمحمل: "ليس المسكين بالطواف عليكم" (¬2)، و"ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (¬3) أي: الأحق (¬4).
(فإن الكرم) في الحقيقة هو (الرجل المسلم) أو قلب الرجل المسلم؛ وذلك لما حواه من العلوم والأعمال الصالحة، والداعية إلى الكرم والسخاء، فهو أحق باسم الكريم والكرم من العنب (¬5). قلت: وعلى هذا فالحديقة التي في جملة أشجارها العنب، أو ليس فيها عنب، تسميتها بالكرم كما هو مستعمل في بلادنا ليس بحسن؛ فإن الأحق بالكرم قلب المؤمن، وفي لفظ مسلم: "لا تسموا العنب الكرم" (¬6) وفي لفظ: "لا تقولوا الكرم" (¬7) وهذا النهي على جهة الإرشاد لما
¬__________
(¬1) ساقطة من (م).
(¬2) رواه البخاري (1479)، ومسلم (1039) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
(¬3) رواه البخاري (6114)، ومسلم (2609) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
(¬4) "المفهم" 5/ 551.
(¬5) انظر السابق.
(¬6) "صحيح مسلم" (2247) (8).
(¬7) رواه مسلم (2248) من حديث وائل بن حجر مرفوعًا.

الصفحة 105