كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 19)

بالهلاك منهم، وأما من قال ذلك على سبيل الشفقة على أهل عصره وأنه هو وإياهم بالنسبة إلى من تقدمهم من أسلافهم كالهالكين (¬1) فلا يتناوله هذا الذم، عادة جارية في أهل العلم والفضل يعظمون أسلافهم ويفضلونهم على من بعدهم، وقد يكون هذا على جهة الوعظ والتذكير؛ ليقتدي اللاحق بالسابق، فيجتهد المقصر، ويتدارك المفرط، كما قال الحسن: أدركت أقواما لو رأوكم لقالوا: لا يؤمنون بيوم الحساب (¬2).
وأما من قيده بالنصب فمعناه: أنه جعلهم كالهالكين، لا هالكين في الحقيقة، فقد أهلكهم بهذا القول، فإن الذي يسمعه قد ييأس من رحمة اللَّه ويهلك، وقد يغلب على القائل رأي الخوارج؛ فيهلك الناس بالخروج عليهم، ويشق العصا بالقتال؛ فيهلكون حقيقة وحسًّا.
(قال مالك) بن أنس (إذا قال ذلك تحزنًا) وشفقة على الناس (لما يرى في) أحوال (الناس؛ يعني: في) أمور (دينهم) من تضييع الصلوات عن أوقاتها، وتهاونهم في الإتيان بشروطها وسننها، وقلة خشوعهم فيها، وكذا في الصيام والزكاة والحج وغير ذلك من فساد معاملاتهم.
(فلا أرى به بأسًا) وهو جائز (وإذا قال ذلك عجبًا بنفسه) عليهم، وازدراءً لهم كما تقدم (وتصاغرًا (¬3) للناس) أي: إذلالًا واحتقارًا كما
¬__________
(¬1) ساقطة من (م).
(¬2) رواه أبو نعيم في "الحلية" 2/ 134، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 19/ 525 من قول الحسن ابن أبي الحسن.
(¬3) بعدها في (ل)، (م): وتصغيرًا، وعليها: خـ.

الصفحة 119