كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 19)

فيه: أن الصبي إذا احتاج والده إلى وعد يعده أو وعيد يتهدده به أو تخويف فوعده وتوعده كان مباحًا، وإن كان كذبا.
قال الغزالي: الكذب المباح يكتب ويحاسب عليه، ويطالب بتصحيح قصده فيه، ثم يعفى عنه؛ لأنه إنما أبيح بقصد الإصلاح، ويتطرق إليه غرور كبير، فإنه قد يكون الباعث له حظه وغرضه الذي هو [مستغن عنه وإنما يتعلل ظاهرًا بالإصلاح، فلهذا يكتب، وكل] (¬1) من أتى بكذبة فقد وقع في خطر الاجتهاد؛ ليعلم أن المقصود الذي كذب له هل هو أهم في الشرع من الصدق أم لا؟ وذلك غامض جدًّا، فالحزم في تركه، إلا أن يصيب واجبًا (¬2). انتهى.
لكن قوله تعالى: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} (¬3) فيه إشارة إلى أن المباح لا يكتب، وإنما في الكتاب صغائر المعاصي وكبائرها، إلا أن يقال: إن المباح يكتب كما هو ظاهر قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} (¬4)، ثم ينسخ، فيسقط المباح، ويكتب ما فيه الثواب والعقاب، بدليل قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬5).
وقد جاء في رواية لغير المصنف عن عبد اللَّه بن عامر: جاء رسول
¬__________
(¬1) ما بين المعقوفتين ليس في (ل)، (م)، والمثبت من "إحياء علوم الدين".
(¬2) "إحياء علوم الدين" 3/ 139.
(¬3) الكهف: 49.
(¬4) ق: 18.
(¬5) الجاثية: 29.

الصفحة 134