كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 19)

دمه بقوة جعلها اللَّه فيه وقيل: هذا استعارة؛ لكثرة إغوائه ووسوسته، فكأنه لا يفارق الإنسان (¬1) كما لا يفارقه دمه.
قلت: وهو ظاهر، ويكون دخوله إلى المجاري من فم الآدمي، ولذلك قال -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأمر من تثاءب أن يرده ما أستطاع، وأن يضع يده على فيه؛ لئلا يدخل الشيطان في فيه، وسبب أمره بذلك عند التثاؤب كثرة الأكل والشبع من الطعام ولو حلالا صرفًا، وكذلك هنا أخبر بأنه يجري فيه مجرى الدم، ويتمكن منه إذا حصل له سوء الظن المهلك، وكذلك يدخل في جوفه، ويجري فيه مجرى الدم عند شدة الغضب، فإن الإنسان إذا غضب تمكن منه الشيطان، ولعب به كما يلعب الصبي بالكرة.
(فخشيت أن يقذف) أي: يلقي ويوقع، والقذف: الرمي بقوة، ومنه حديث عائشة: وعندها جاريتان (¬2) تغنيان بما تقاذفت به الأنصار يوم بعاث (¬3). أي: تشاتمت في أشعارها التي قالتها في تلك الحرب.
(في قلوبكما شيئًا) أي: شرًّا كما في الرواية الأخرى (¬4) (أو قال: شرًّا) بوسوسته. فانظر كيف أشفق على دينهما فحرسهما من إلقاء الشيطان في قلوبهما سوء الظن المردي، وإذا انتفى سوء الظن حصل حسن الظن الذي هو من حسن العبادة، ولهذا ناسب التبويب عليه،
¬__________
(¬1) ساقطة من (م).
(¬2) جاءت في هامش (ل) وعليها: لعله.
(¬3) رواه البخاري (3931).
(¬4) رواها البخاري (2175).

الصفحة 142