كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 19)

(الكلام) أي: ما يتكلفه الإنسان من الزيادة فيه على قدر الحاجة، ومنه تسمية الصيرفي والصرف وهو الجيد من النقدين من رديئه، ويقال: فلان لا يحسن صرف الكلام. أي: فصل (¬1) بعضه من بعض، وإنما كره ذلك لما يدخل صاحبه من الرياء والتصنع، ولما يخالطه من الزيادة والتصنع في الكلام، وما يدخله من الكذب، ويحتمل أن يكون من علم التصريف، وهو: تصريف الألفاظ واختلاف ضروب معانيها؛ لأن عارفه بعد النحو تنصرف وجوه الناس إليه (ليسبي) منصوب بـ (أن) المقدرة، أي: لكي يستميل (به قلوب الرجال، أو) قلوب، هذا شك من الرواي (الناس) إليه، الناس أعم من الرجال، فإنه يشمل الرجال والنساء والصبيان، وفيه ذم التكلف في الكلام والتصنع فيه، وينبغي الاقتصار فيه على مقصوده بحيث يفهم منه الغرض المطلوب، فما وراء ذلك فتصنع ممنوع منه مذموم.
وخرج بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ليسبي به قلوب الرجال) من تعلم صرف الكلام؛ ليحسن به ألفاظ الخطابة والمواعظ والدروس، والتذكير من غير إفراط ولا إغرار، فان المقصود تحريك القلوب وتسويفها وقبضها وبسطها، ولرشاقة اللفظ تأثير في الأسماع وذهاب السآمة، ولهذا يدخل كثير من الوعاظ والفقهاء الأشعار في وعظهم، فأما المحاورات التي تأتي وتجري في قضاء الحاجات، فلا يليق بها السجع والتشدق، والاشتغال به من التكلف المذموم، ولا باعث له إلا الرياء، وإظهار
¬__________
(¬1) في (م): يصرف.

الصفحة 170