كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 19)

الزهري، لا تصح له رؤية.
(عن أبي بن كعب -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن من الشعر حكمة) أي: من الشعر كلامًا نافعًا يمنع من الجهل والسفه، وينهى عنهما، وقيل: أراد به المواعظ والأمثال التي ينتفع بها الناس، وكذا كل كلام صادق مطابق للحق والصواب، فإن قلت: قال اللَّه تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)} (¬1)، حكى البخاري عن ابن عباس: أي: في كل لغو يخوضون (¬2). والجواب: أن اللَّه تعالى قال بعده: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (¬3)، فاستثنى منهم الذين قالوا بالحكمة صدقًا وحقًّا، كما روى البيهقي حديث عائشة: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخصف نعله، وكنت أغزل، فنظرت إليه فجعل جبينه يعرق، وعرقه يتولد نورًا فبهت، فقال: "ما لك بهت؟ " قلت: لو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره. قال: "وما يقول أبو كبير؟ " قلت: يقول:
وَمُبَرَّإ مِنْ كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ ... وَفَسادِ مُرضِعَةٍ ودَاءِ مَغْيلِ
فَإذا نَظرتَ إلى أُسْرَةِ وجْههِ ... بَرَقَتْ كَبرقِ العارِضِ المُتَهَللِ
قالت: فوضع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما كان في يده، وقام إليَّ، وقبل ما بين
¬__________
(¬1) الشعراء: 224 - 225.
(¬2) "صحيح البخاري" قبل حديث (6145).
(¬3) الشعراء: 227.

الصفحة 181