كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 19)

(عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا انصرف من صلاة الغداة) أي: صلاة الصبح، تسمى صلاة الغداة والفجر. أي: إذا سلم منها (يقول) لأصحابه (هل رأى أحد منكم الليلة) أي: هذِه الليلة الماضية (رؤيا؟ ) ويقال: الليلة إلى وقت الزوال، وبعده: البارحة، هذا هو الأصل الحقيقة، وتطلق البارحة على ما قبل الزوال مجازًا، ولهذا جاء في "صحيح مسلم": "هل رأى أحد منكم البارحة؟ " (¬1).
(ويقول: إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) لفظ البخاري: "لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات" قالوا: وما المبشرات؟ قال: "الرؤيا الصالحة" (¬2). وفي الحديث دليل على استحباب إقبال الإمام على أصحابه بعد سلامه. وفيه: استحباب السؤال عن الرؤيا والمبادرة إلى تأويلها وتعجيلها أول النهار لهذا الحديث؛ لأن القلب أجمع؛ لأن عهد الرائي قريب لم يطرأ عليه ما يهوس الرؤيا عليه، ولأن القلب أجمع قبل اشتغاله بمعاش الدنيا.
وقوله: (ليس يبقى بعدي من الوحي إلا الرؤيا الصالحة) أي: ليس يبقى في حق الوحي ومعناه إلا الرؤيا الصالحة؛ لأن الأنبياء عليهم السلام كان يوحى إليهم في منامهم كما يوحى إليهم في اليقظة، وقيل: معناه: إن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة؛ لأنها جزء باقٍ من أجزاء النبوة، والرؤيا الصالحة هي الحسنة أو الصادقة، فهي حسنة صالحة، إما باعتبار حسن ظاهر أو حسن تأويلها. وقيدت الرؤيا
¬__________
(¬1) "صحيح مسلم" (2275) من حديث سمرة بن جندب.
(¬2) "صحيح البخاري" (6990).

الصفحة 194