كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 19)

اختلاف حال (¬1) الرائي، فالصالح مثلا جزء من ستة وأربعين، والفاسق جزء من سبعين، وما بينهما [لمن بينهما] (¬2)، وأما تخصيص عدد ست وأربعين فسببه أنه كان يأتي الوحي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على ستة وأربعين نوعًا، الرؤيا نوع منها، وقد حاول الحليمي تعداد تلك الأنواع. وقيل: إنه كان -عليه السلام- بعث على رأس الأربعين، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، فمدة الوحي ثلاث وعشرون سنة منها ستة أشهر كان يوحى إليه بمكة المشرفة في منامه والباقي في اليقظة، فصدق في الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من أجزاء زمان مدة النبوة. قلت: والذي يظهر لي أن مدة الوحي -كما قالوا- ثلاث وعشرون سنة، فباعتبار الليل والنهار يكون ستة وأربعين؛ لأنه كان يوحى إليه في النوم ليلًا ونهارًا كما يوحى في اليقظة بالرسالة.
وأما قول الحليمي: إن أنواع الوحي ستة وأربعون (¬3) نوعًا، فالنبوة لا تنحصر أنواعها في هذا العدد اليسير، بل ولا في المبين، إلا أن يقال: إن المراد [من] (¬4) العدد مقدمات النبوة، وأما اعتبار مدة الوحي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ففيه نظر أيضًا؛ لأن مقتضاه أن هذا التخصيص مختص بنبوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، والحديث إنما قال فيه: "جزءًا من النبوة"، وهو عام، ولو كان مختصًّا به لقال: جزءًا من نبوتي، واللَّه أعلم (¬5).
¬__________
(¬1) و (¬2) ساقطة من (م).
(¬3) في (ل)، (م): وأربعين. ولعل المثبت هو الصواب.
(¬4) زبادة يقتضيها السياق.
(¬5) انظر: "فتح الباري" 1/ 20.

الصفحة 196