كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 19)

ماجه: "من باع عيبًا لم يبينه لم يزل في مقت اللَّه -أو- لم تزل الملائكة تلعنه" (¬1). وروي أن جريرًا كان إذا قام على السلعة يبيعها بصر بعيوبها ثم خير فقال: إن شئت فخذ، وإن شئت فاترك (¬2).
وروي في حديث واثلة أنه قال لمشتري الناقة: إنها نقباء، وإنها لا تصلح للسير. فعاد فردها، فنقصه البائع مائة درهم (¬3). فقد فهمت الصحابة من النصح أن لا يرضى لأخيه إلا ما يرضاه لنفسه، ولم يعتقدوا ذلك من الفضائل وزيادة المقامات، بل اعتقدوا أنها من شروط الإسلام الداخلة تحت بيعته.
قال الغزالي: وهذا أمر يشق على أكثر الخلق؛ فلذلك يختارون التخلي للعبادة والاعتزال عن الناس، ولن يتيسر ذلك على العبد إلا بأن يعتقد أمرين:
أحدهما: أن يعلم أن تلبيسه العيوب وترويجه السلع لا يزيد في رزقه، بل يمحقه ويذهب بركته، والصدقة لا تنقصه، فإن الدرهم الواحد قد يبارك فيه حتى يكون سببًا لسعادة المرء في الدين والدنيا.
الأمر الثاني: أن يعلم أن ربح الآخرة وغناها خير من ربح الدنيا، فإن فوائد أموال الدنيا تنقضي بانقضاء العمر، والخير كله في سلامة
¬__________
(¬1) "سنن ابن ماجه" (2247) من حديث واثلة بن الأسقع مرفوعًا، وضعفه البوصيري في "مصباح الزجاجة" 3/ 30.
(¬2) رواه الطبراني 2/ 359 (2510) من حديث جرير.
(¬3) رواه أحمد 3/ 491 بنحوه من حديث واثلة بن الأسقع دون لفظ: "فنقصه البائع مائة درهم".

الصفحة 35