كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 19)

بأنكم أبرار أتقياء، فإنه أعلم بمن اتقى، أي: بمن بر وأطاع وأخلص العمل للَّه تعالى. وظاهره تقدم نزول هذِه الآية على هذا النهي، وفيه الاستدلال على ما أمر به أو نهي بلفظ القرآن، وفيه النهي عن تزكية الإنسان نفسه ووصفه بالصفات الجميلة.
قال القرطبي: ويجري هذا المجرى في المنع ما قد كثر في هذا الزمان من نعتهم أنفسهم وأولادهم بالنعوت التي تقتضي التزكية، كزكي الدين ومحيي الدين وعز الدين، وما أشبه ذلك مما يقصد به المدح والتزكية، لكن لما كثرت قبائح المسمين بهذِه التسمية في الزمان ظهر تخلف هذِه النعوت عن أصلها؛ فصارت لا تفيد شيئًا من أصل موضوعاتها، فصار ذلك كتسمية العرب الأرض المهلكة بالمفازة (¬1).
وقيل: إن إبليس اللعين لما رأى البركة التي تحصل للمسمين بأسماء محمد وأحمد وعبد اللَّه ونحو ذلك حبب إليهم أسماء التزكية، فأُبدل محمد بشمس الدين، وأحمد بشهاب الدين، وعبد اللَّه بجمال الدين؛ ليحرموا بركة أسماء أنبيائهم، فصار أي أمير أو قاضٍ أو رئيس قيل له: يا محمد؛ تغيظ، ورأى أنه احتقر، حتى يقال له: يا سيدي شمس الدين (¬2). ونحو ذلك، فنسأل اللَّه السلامة والعافية من ذلك.
(اللَّه أعلم بأهل البر منكم) والطاعة للَّه تعالى، وبالزاكي المزكى الذي حسنت أفعاله وأقواله وزكاه اللَّه تعالى وجعله من أهل التقوى، فلا عبرة
¬__________
(¬1) "المفهم" 5/ 465.
(¬2) ساقطة من (م).

الصفحة 57