كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 19)

زوجها على بعض جيوشه، فكتب إليه أن يسير إلى مكان كذا وكذا؛ مكان إذا سار إليه قُتل ولم يرجع، ففعل، فأصيب، فخطبها داود فتزوَّجها، فبينما هو في المحراب إذ تسوَّر الملَكان عليه، وكان الخصمان إنما يأتونه من باب المحراب، ففزع منهم حين تسوَّروا المحراب، فقالوا: {لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فاحْكُمْ بَيْنَنا بِالحَقِّ ولا تُشْطِطْ} الآيات (¬١). (١٢/ ٥٣٠)

٦٦٥١٤ - عن وهب بن مُنَبِّه -من طريق بعض أهل العلم-: أن داود حين دخل محرابه ذلك اليوم قال: لا يَدْخُلَنَّ عَلَيَّ محرابي اليومَ أحدٌ حتى الليل، ولا يشغلني شيء عما خلوتُ له حتى أمسي. ودخل محرابه، ونشر زبوره يقرؤه، وفي المحراب كُوَّة تُطْلِعه على تلك الجُنينة، فبينا هو جالس يقرأ زبوره إذ أقبلت حمامة من ذهب، حتى وقعت في الكُوَّة، فرفع رأسه، فرآها، فأعجبته، ثم ذكر ما كان قال: لا يشغله شيء عما دخل له، فنكَّس رأسه، وأقبل على زبوره، فتصوَّبت الحمامة للبلاء والاختبار مِن الكُوَّة، فوقعت بين يديه، فتناولها بيده، فاستأخرت غير بعيد، فاتبعها، فنهضت إلى الكُوَّة، فتناولها في الكُوَّة، فتصوّبت إلى الجنينة، فأتبعها بصرَه أين تقع، فإذا المرأة جالسة تغتسل بهيئة اللهُ أعلم بها في الجمال والحُسن والخلْق، فيزعمون أنها لما رأته نقضت رأسها، فوارتْ به جسدها منه، واختطفت قلبه، ورجع إلى زبوره ومجلسه، وهي مِن شأنه، لا يفارق قلبُه ذِكرها، وتمادى به البلاء حتى أغزى زوجَها، ثم أمر صاحب جيشه -فيما يزعم أهلُ الكتاب- أن يُقدِّم زوجها للمهالك، حتى أصابه بعضُ ما أراد به مِن الهلاك، ولداود تسع وتسعون امرأة، فلما أصيب زوجُها خطبها داود، فنكحها، فبعث اللهُ إليه وهو في محرابه مَلَكين يختصمان إليه، مثلًا يضربه له ولصاحبه، فلم يُرَعْ (¬٢) داود إلا بهما واقفين على رأسه في محرابه، فقال: ما أدخلكما عَلَيَّ؟ قالا: لا تخف، لم ندخل لبأس ولا لريبة، {خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ} فجئناك لتقضي بيننا، {فاحْكُمْ بَيْنَنا بِالحَقِّ ولا تُشْطِطْ واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ} أي: احملنا على الحق، ولا تخالف بنا إلى غيره. قال الملَك الذي يتكلم عن أوريا بن حنانيا زوج المرأة: {إنَّ هَذا أخِي} أي: على ديني، {لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً ولِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أكْفِلْنِيها} أي: احملني عليها، ثم {وعَزَّنِي فِي الخِطابِ} أي:
---------------
(¬١) أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٦٩ - ٧٠. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر. وذكر يحيى بن سلام نحوه -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٤/ ٨٦ - .
(¬٢) لم يُرَع: لم يشعر. اللسان (روع).

الصفحة 51