كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 19)

يأمره: أن يبعث أُهْريّا إلى عدو كذا وكذا. فبعثه، ففُتح له، وكتب إليه بذلك، فكتب إليه أيضًا: أنِ ابعثه إلى عدو كذا وكذا. أشد منه بأسًا، فبعثه، ففتح له أيضًا، فكتب إلى داود بذلك، فكتب إليه: أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا. أشد منه بأسًا، فبعثه، فقُتل في المرة الثالثة، وتزوج امرأته، فلما دخلت عليه لم تلبث عنده إلا يسيرًا حتى بعث الله ملَكين في صورة إنسيين، فطلبا أن يدخلا عليه، فوجداه في يوم عبادته، فمنعهما الحرس أن يدخلا عليه، فتسوَّرا عليه المحراب، فما شعر وهو يصلي إذ هما بين يديه جالسين، ففزع منهما، فقالا: {لا تَخَفْ} إنما نحن {خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فاحْكُمْ بَيْنَنا بِالحَقِّ ولا تُشْطِطْ} يقول: لا تَحِف، {واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ} إلى عدل القضاء. فقال: قُصّا عَلَيَّ قصتكما. فقال أحدهما: {إنَّ هَذا أخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً ولِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ}، فهو يريد أن يأخذ نعجتي فيكمل بها نعاجه مائة. فقال للآخر: ماتقول؟ فقال: إنّ لي تسعًا وتسعين نعجة، ولأخي هذا نعجة واحدة، فأنا أريد أن آخذها منه فأُكمل بها نعاجي مائة. قال: وهو كارِهٌ؟! قال: وهو كارِه. قال: إذًا، لا ندعك وذاك. قال: ما أنتَ على ذلك بقادر. قال: فإن ذهبتَ ترومُ ذلك ضربنا منك هذا وهذا وهذا. يعني: طرف الأنف، وأصل الأنف، والجبهة. قال: يا داود، أنت أحقُّ أن يُضرَب منك هذا وهذا؛ حيث لك تسع وتسعون امرأة، ولم يكن لأُهْريّا إلا امرأة واحدة، فلم تزل تُعرِّضه للقتل حتى قتلته وتزوَّجتَ امرأته. فنظر فلم يرَ شيئًا، فعرف ما قد وقع فيه، وما قد ابتُلي به، فخرَّ ساجدًا، فبكى، فمكث يبكي ساجدًا أربعين يومًا، لا يرفع رأسه إلا لحاجة، ثم يقع ساجدًا يبكي، ثم يدعو، حتى نبت العشب مِن دموع عينيه، فأوحى الله إليه بعد أربعين يومًا: يا داود، ارفع رأسك، قد غفرتُ لك. قال: يا رب، كيف أعلم أنك قد غفرتَ لي، وأنت حَكَمٌ عدل لا تحيف في القضاء؟ إذا جاء أُهريّا يوم القيامة آخذًا رأسه بيمينه أو بشماله، تشْخُب (¬١) أوداجُه دمًا في قِبل عرشك، يقول: يا رب، سلْ هذا فيمَ قتلني؟ فأوحى الله إليه: إذا كان ذلك دعوتُ أُهريّا، فأستوهبك منه، فيهبك لي، فأثيبه بذلك الجنة. قال: ربِّ، الآن علمتُ أنك غفرتَ لي. فما استطاع أن يملأ عينيه مِن السماء حياءً مِن ربه، حتى قُبض - صلى الله عليه وسلم - (¬٢). (١٢/ ٥٣٢)

٦٦٥١٦ - عن محمد بن كعب القرظي، نحوه (¬٣). (١٢/ ٥٣٥)
---------------
(¬١) تشخب: تسيل. النهاية (شخب).
(¬٢) أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٦٦ - ٦٨، وفي تاريخه ١/ ٤٧٩ - ٤٨١، والحاكم ٢/ ٥٨٦ - ٥٨٧.
(¬٣) عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.

الصفحة 53