كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 19)

رزقتني العافية فسألتُك البلاء، فلمّا ابتليتني لم أصبر، فإن تعذبني فأنا أهلٌ لذلك، وإن تغفر لي فأنت أهلٌ ذاك. قال: وإذا جبريل قائم على رأسه، قال: يا داود، إنّ الله قد غفر لك، فارفع رأسك. فلم يلتفت إليه، وناجى ربَّه وهو ساجد، فقال: يا رب، كيف تغفر لي وأنت الحكم العدل، وقد فعلتُ بالرجل ما فعلتُ؟ فنزل الوحيُ عليه، قال: صدقتَ، يا داود، وأنا الحكم العدل، ولكن إذا كان يوم القيامة دفعتك إلى أوريا سَلَمًا، ثم أستوهِبك منه، فيهبُك لي، فأثيبه الجنة. قال: يا رب، الآن أعلمُ أنّك قد غفرتَ لي. فذهب يرفع رأسَه، فإذا هو يابس لا يستطيع، فمسحه جبريل ببعض ريشه، فانبسط، فأوحى الله إليه بعد ذلك: يا داود، قد أحللتُ لك امرأة أوريا، فتزوَّجْها. فتزوَّجَها، فولدت له سليمان، لم تلد قبله شيئًا ولا بعده. قال كعب: فواللهِ، لقد كان داود بعد ذلك يظل صائمًا اليوم الحارّ، فيُقرِّب الشراب إلى فِيه، فيذكر خطيئته، فيبكي في الشراب حتى يفيضه، ثم يردُّه ولا يشربه (¬١). (١٢/ ٥٣٨)

٦٦٥٧٠ - عن عبيد بن عمير الليثي: أنّ داود سجد حتى نبت ما حوله خَضِرًا مِن دموعه، فأوحى الله إليه: أن يا داود، أتريد أن أزيد في مالك وولدك وعمرك؟ فقال: يا رب، أهذا تردُّ عليَّ؟! أريد أن تغفر لي (¬٢). (١٢/ ٥٣٩)

٦٦٥٧١ - عن الحسن البصري -من طريق مطر- {اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وخَرَّ راكِعًا وأَنابَ}، قال: سجد أربعين ليلةً، حتى أوحى الله إليه: إنِّي قد غفرتُ لك. قال: ربِّ، كيف تغفر لي وأنت حَكم عدل لا تظلم أحدًا؟! قال: إني أقضيك له، ثم استوهبه دمَك، ثم أثيبه مِن الجنة حتى يرضى. قال: الآن طابت نفسي، وعلمتُ أن قد غفرتَ لي. قال الله: {فَغَفَرْنا لَهُ ذَلِكَ وإنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وحُسْنَ مَآبٍ} (¬٣). (١٢/ ٥٣٠)

٦٦٥٧٢ - عن وهب بن مُنَبِّه -من طريق بعض أهل العلم-: قالوا: ثم ارْعَوى داودُ، فعرف أنّه هو الذي يُراد بما صنع في امرأة أوريا، فوقع ساجدًا تائبًا مُنيبًا باكيًا، فسجد أربعين صباحًا صائمًا لا يأكل فيها ولا يشرب، حتى أنبت دمعه الخَضِر تحت وجهه، وحتى أندَبَ (¬٤) السجودُ في لحم وجهه، فتاب الله عليه، وقَبِل منه ... (¬٥). (ز)
---------------
(¬١) عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
(¬٢) أخرجه ابن أبي شيبة ١٣/ ٢١٠. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
(¬٣) أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٧٠. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(¬٤) أندب: جعل فيه نُدْبَة، أي: أثرًا من جرحٍ. اللسان (ندب).
(¬٥) أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٧١ - ٧٣، والثعلبي ٨/ ١٩١ - ١٩٤، والبغوي ٧/ ٨٢ - ٨٣ مطولًا جدًّا بذكر دعوات داود أثناء سجوده. ذُكِرَ ذلك عن ابن عباس من طريق جويبر، ومقاتل عن الضحاك، وكعب الأحبار من طريق الحسن عمَّن أخبره، ووهب بن منبه من طريق أبي إلياس.

الصفحة 63