كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 19)

في دارك منذُ أربعين صباحًا في هوى امرأة. فقال: في داري؟! فقال: في دارك. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد عرفتُ أنّك ما قلتَ الذي قلتَ إلا عن شيء بلغك. ثم رجع سليمان إلى داره، وكسر ذلك الصنم، وعاقب تلك المرأةَ وولائدها، ثم أمر بثياب الطُّهرة، فأُتِي بها، وهي ثياب لا يغزلها إلا الأبكار، ولا ينسجها إلا الأبكار، ولا يغسلها إلا الأبكار، لم تمسسها امرأة قد رأت الدم، فلبسها، ثم خرج إلى فلاةٍ مِن الأرض وحده، فأمر برماد ففُرش له، ثم أقبل تائبًا إلى الله - عز وجل -، حتى جلس على ذلك الرماد، وتمعَّك فيه بثيابه تذلُّلًا لله تعالى، وتضرُّعًا إليه يبكي ويدعو، ويستغفر مما كان في داره، فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى، ثم رجع إلى داره.
وكانت له أم ولد يقال لها: الأمينة، كان إذا دخل مذهبَه أو أراد إصابةَ امرأة مِن نسائه وضع خاتمه عندها حتى يتطهر، وكان لا يمس خاتمه إلا وهو طاهر، وكان مُلكُه في خاتمه، فوضعه يومًا عندها، ثم دخل مذهبه، فأتاها الشيطان صاحب البحر -واسمه: صخر- على صورة سليمان، لا تُنكِر منه شيئًا، فقال: خاتمي، أمينة. فناولته إياه، فجعله في يده، ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان، وعكفت عليه الطير والجن والإنس، وخرج سليمان فأتى الأمينةَ وقد غُيِّرت حاله وهيئته عند كل من رآه، فقال: يا أمينة، خاتمي. قالت: مَن أنت؟ قال: أنا سليمان بن داود. قالت: كذبت، فقد جاء سليمانُ فأخذ خاتمه، وهو جالس على سرير ملكه. فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته، فخرج، فجعل يقف على الدار مِن دور بني إسرائيل، فيقول: أنا سليمان بن داود. فيحثون عليه التراب، ويسبُّونه، ويقولون: انظروا إلى هذا المجنون! أيَّ شيء يقول؟! يزعم أنه سليمان! فلما رأى سليمانُ ذلك عمد إلى البحر، فكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر إلى السوق، فيعطونه كل يوم سمكتين، فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة، وشوى الأخرى فأكلها، فمكث بذلك أربعين صباحًا عِدَّة ما كان عُبِد الوثن في داره، فأنكر آصفُ وعظماء بني إسرائيل حكمَ عدوِّ الله الشيطان في تلك الأربعين، فقال آصف: يا معشر بني إسرائيل، هل رأيتم من اختلاف حكم ابن داود ما رأيت؟ قالوا: نعم. قال: أمهِلوني حتى أدخل على نسائه فأسألهن: فهل أنكرتن منه في خاصة أمره ما أنكرناه في عامة أمر الناس وعلانيته؟ فدخل على نسائه، فقال: ويحكنَّ، هل أنكرتنَّ مِن أمر ابن داود ما أنكرنا؟ فقلن: أشده؛ ما يَدَعُ مِنّا امرأةً في دمها، ولا يغتسل من الجنابة. فقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون، إنّ هذا لهو البلاء المبين. ثم خرج على

الصفحة 99