كتاب المجموع شرح المهذب (اسم الجزء: 19)

عنده نوعان من جنس الماشية، وإن كانت إبلهم أو إبل بعضهم مراضا بجرب أو غيره أو مهزولة هزالا فاحشا لم يجبر الولى على قبولها، بل يكلف أن يسلم إبلا صحاحا من النوع الذى عنده لقوله صلى الله عليه وسلم (في النفس مائة من الابل) وإطلاق هذا يقتضى الصحيح فإن قيل هلا قلتم يجبر الولى على قبول ما عند من عليه الدية وإن كانت مراضا كما قلنا في الزكاة؟ قلنا الفرق بينهما أن الواجب في الزكاة هو واجب في غير المال الذى عنده أو في ذمته والمال مرتهن، فلذلك وجب مما عنده، وليس كذلك هاهنا فإن الواجب على كل واحد منهم هو من النقد في الذمة والمال غير مرتهن به، وإنما الابل عوض منه فلم يقبل منه إلا السليم، فإن لم يكن للعاقلة إبل فإن كان في البلد نتاج غالب وجب عليهم التسليم من ذلك النتاج، وان لم يكن في البلد إبل وجب من غالب نتاج أقرب بلد إليهم كما قلنا في زكاة الفطر (فرع)
وإن أرادت العاقلة أن تدفع عوضا عن الابل مع وجودها لم يجبر الولى على قبولها، وكذلك ان طالب من له الدية عوض الابل لم تجبر العاقلة على دفعه، لان ما ضمن لحق الآدمى يبدل لم يجبر على غيره كذوات الامثال، فإن تراضيا على ذلك قال أصحابنا جاز ذلك لانه حق مستقر فجاز أخذ البدل عنه كبدل المتلفات، والذى يقتضى المذهب أن هذا إنما يجوز على القول الذى يجيز الصلح
على إبل الدية وبيعها في الذمة (فرع)
وإن كانت الدية تجب على الجاني بأن كانت الجناية عمدا أو خطأ ثبت بإقراره، فإن الواجب عليه من النوع الذى عنده قياسا على العاقلة، والحكم فيه إذا كان عنده نوعان، أو كانت إبله مراضا في أخذ العوض حكم الابل إذا كانت واجبة على العاقلة على ما مضى بيانه (مسألة) كثير من بلاد الاسلام لايعرف أهلها الابل ولم يروها، كالملايو وأندونيسيا والفلبين وفطانى (1) وبلاد أخرى لا توجد فيها الابل إلا بأثمان غالية
__________
(1) فطانى هو إقليم من أقاليم مليزيا ضمه الكفار إلى تايلند، ويبلغ سكان هذا الاقليم ثلاثة ملايين مسلم سنى شافعي فاللهم خذ بأيديهم وحرر ديارهم.

الصفحة 49