كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 19)

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هَذِه الْآيَة نزلت فِي الدُّعَاء، وَمن حَدِيث ابْن إِبْرَاهِيم الهجري عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي هُرَيْرَة: {وَلَا تجْهر بصلاتك} (الْإِسْرَاء: 011) نزلت فِي الدُّعَاء وَالْمَسْأَلَة، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.

(سُورَةُ الكَهْفِ)
أَي: هَذَا فِي بَيَان بعض تَفْسِير سُورَة الْكَهْف، ذكر ابْن مرديه أَن ابْن عَبَّاس، وَعبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُم، قَالَا: إِنَّهَا مَكِّيَّة، وَعَن الْقُرْطُبِيّ عَن ابْن عَبَّاس: مَكِّيَّة إلاَّ قَوْله: {واصبر نَفسك} (الْكَهْف: 82) فَإِنَّهَا مَدَنِيَّة، وَفِي: {مقامات التَّنْزِيل} : فِيهَا ثَلَاث آيَات مدنيات: قَوْله: {واصبر نَفسك} ، وَقَوله: {ويسألونك عَن ذِي القرنين} (الْكَهْف: 38) ، وَهِي سِتَّة آلَاف وثلاثمائة وَسِتُّونَ حرفا، وَألف وَخَمْسمِائة وَسبع وَسَبْعُونَ كلمة، وَمِائَة وَعشر آيَات.
{بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}

ثبتَتْ الْبَسْمَلَة للأكثرين إلاَّ لأبي ذَر فَإِنَّهَا لم تثبت.
وَقَالَ مُجاهِدٌ تَقْرِضُهُمْ تَتْرُكُهُمْ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: (وَإِذا غربت تقرضهم ذَات الشمَال) (الْكَهْف: 71) وَفسّر مُجَاهِد: (تقرضهم) بقوله: (تتركهم) هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الْحَنْظَلِي عَن حجاج بن حَمْزَة: حَدثنَا شَبابَة حَدثنَا وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، فَذكره. وَعَن ابْن عَبَّاس: تقرضهم تَدعهُمْ، وَعَن مقَاتل: تتجاوزهم أصل الْقَرْض الْقطع.
{وكانَ لَهُ ثُمُرٌ ذَهَبٌ وفِضَّةٌ}
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وفجرنا خلالهما نَهرا وَكَانَ لَهُ ثَمَر} (الْكَهْف: 33) الْآيَة، وَفسّر الثَّمر، بِضَم الثَّاء: بِالذَّهَب وَالْفِضَّة، وَهَذَا من تَتِمَّة قَول مُجَاهِد، وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة فِي تَفْسِيره عَن ابْن جريج عَنهُ. وَأخرج الْفراء من وَجه آخر عَن مُجَاهِد، قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآن ثَمَر بِالضَّمِّ فَهُوَ المَال، وَمَا كَانَ بِالْفَتْح فَهُوَ النَّبَات.
{وَقَالَ غَيْرُهُ جَماعَةُ الثَّمَر}
قَالَ بَعضهم: كَأَنَّهُ عَنى بِهِ قَتَادَة. قلت: الَّذِي قَالَه صَاحب (التَّلْوِيح) جمَاعَة هُوَ الصَّوَاب. قَوْله: (جمَاعَة) أَي: جُمُعَة، أَي جمع الثَّمر، بِالْفَتْح الثَّمر بِضَمَّتَيْنِ، وَقيل: إِن الثَّمَرَة تجمع على ثمار، وَالثِّمَار تجمع على ثَمَر، فَيكون الثَّمر جمع الْجمع.
{باخِعٌ مُهْلِكٌ}
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {فلعلك باخع نَفسك على آثَارهم} (الْكَهْف: 6) الْآيَة. وَفسّر باخع، بقوله: مهلك، وَبِه فسر أَبُو عُبَيْدَة.
{أسَفاً نَدَماً}
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الحَدِيث أسفا} (الْكَهْف: 6) ، وَفسّر: أسفا بقوله: (ندماً) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَعَن قَتَادَة: أسفا حزنا، وَأَرَادَ بِالْحَدِيثِ الْقُرْآن.
{الكَهْفُ الفَتْحُ فِي الجَبَلِ} أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم} (الْكَهْف: 9) وَفسّر (الْكَهْف) بقوله: (الْفَتْح فِي الْجَبَل) ، وَيُقَال: الْكَهْف الْغَار فِي الْجَبَل.
{والرَّقيمُ الكِتابُ مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مِنَ الرَّقْمِ}

اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي الرقيم، فَقيل: هُوَ الطاق فِي الْجَبَل، وَعَن ابْن عَبَّاس: هُوَ وَاد بَين أَيْلَة وَعُسْفَان، وأيلة دون فلسطين وَهُوَ الْوَادي الَّذِي فِيهِ أَصْحَاب الْكَهْف، وَقَالَ كَعْب: هُوَ قريتهم، فعلى هَذَا التَّأْوِيل من رقمة الْوَادي، وَهُوَ مَوضِع المَاء مِنْهُ، وَعَن سعيد بن جُبَير: الرقيم لوح من حِجَارَة، وَقيل: من رصاص كتبُوا فِيهِ أَسمَاء أَصْحَاب الْكَهْف وقصصهم ثمَّ وضعوه على بَاب الْكَهْف، فعلى هَذَا الرقيم بِمَعْنى المرقوم، أَي: الْمَكْتُوب، والرقم الْخط والعلامة، والرقم الْكِتَابَة.
{رَبَطْنا عَلَى قُلُوبِهِمْ ألْهَمْناهُمْ صَبْراً}

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وربطنا على قُلُوبهم إِذْ قَامُوا} وَفسّر: ربطنا قَوْله: ألهمناهم صبرا. وَفِي التَّفْسِير: شددنا على قُلُوبهم بِالصبرِ وألهمناهم ذَلِك وقويناهم بِنور الْإِيمَان حَتَّى صَبَرُوا على هجران دَار قَومهمْ وفراق مَا كَانُوا فِيهِ من خفض الْعَيْش.

الصفحة 36