كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 19)

[فإن قيل: لم قدم العلم بالإخفاء على العلم بالإعلان مع أن ذلك مستلزم لهذا من غير عكس؟ .
فالجواب هذا بالنسبة إلى علمنا، لا بالنسبة إلى علمه - تعالى - إذ هما سيّان في علمه تعالى؛ لأن المقصود بيان ما هو الإخفاء، وهو الكفر، فيكون مقدماً.
فإن قيل: لم لم يقل: بما أسررتم، ثم وما أعلنتم، مع أنه أليق بما سبق في قوله: «تُسِرُّونَ؟» فالجواب: أن فيه من المبالغة ما ليس في ذلك، فإنَّ الإخفاء أبلغ من الإسرار بدليل قوله: {يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى} [طه: 7] ، أي: أخفى من السِّر] .
فصل في معاتبة حاطب
قال القرطبي: وهذا كله معاتبة لحاطب، وهو يدل على فضله وكرامته، ونصيحته للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وصدق إيمانه؛ فإن المعاتبة لا تكون إلا من محبٍّ لحبيب؛ كما قال: [الوافر]
4760 - إذَا ذَهَبَ العِتَابُ فليْسَ وُدٌّ ... ويَبْقَى الودُّ مَا بَقِيَ العِتَابُ
فصل في المراد بالمودة
والمراد بالمودّة في الآية النصيحة.
قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: وأنا أعلم بما أخفيتم في صدوركم، وما أظهرتم بألسنتكم من الإقرار والتوحيد.
{وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ} أي: من يسر إليهم ويكاتبهم {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل} أي: أخطأ طريق الهدى.
قوله: «ومَن يفعلهُ» . في الضمير وجهان:
أظهرهما: أنه يعود على الإسرار؛ لأنه أقرب مذكور.
والثاني: يعود على الاتِّخاذ. قاله ابن عطية.
قوله: {سَوَآءَ السبيل} .
يجوز أن يكون منصوباً على الظرف، إن قلنا: ضلَّ قاصر.
وأن يكون مفعولاً به، إن قلنا: هو متعد.

الصفحة 11