كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 19)

الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أمهاجرةً جئت يا سارة؟ قالت: لا، قال: أمسلمة جئت؟ قالت: لا، قال: فما جاء بك؟ قالت: كنتم الأهل والموالي والأصل والعشيرة، وقد ذهبت الموالي - تعني قُتِلُوا يوم بدر - وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني، فقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: فأيْنَ أنت عَن شَبابِ أهْلِ مكَّة؟ - وكانت مغنيةً نائحةً قالت: ما طلب مني شيء بعد وقعة بدرٍ، فحث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها، فكسوها وحملوها وأعطوها، فخرجت إلى مكة، وأتاها حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى، وقال: أعطيك عشرة دنانير، وبُرداً على أن تبلغي هذا الكتاب إلى أهل» مكَّة «، وكتب في الكتاب: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يريدكم، فخذوا حذركم، فخرجت سارة، ونزل جبريل عليه السلام فأخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بذلك، فبعث عليّاً والزبير والمقداد وأبا مرثد الغنوي، وفي رواية: عليّاً وعمار بن ياسر، وفي رواية: عليّاً وعماراً وعمراً والزبير وطلحة والمقداد وأبا مرثد، وكانوا كلهم فرساناً، وقال لهم: انطلقوا حتى تأتوا روضة» خاخ «، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب من حاطب إلى المشركين، فخذوه منها وخلُّوا سبيلها، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها، فأدركوها في ذلك المكان، فقالوا: أين الكتاب؟ فحلفت باللَّه ما معها كتاب، ففتشوا أمتعتها فلم يجدوا معها كتاباً فهموا بالرجوع، فقال علي: والله ما كذبنا ولا كذَّبنا وسلَّ سيفه، وقال أخرجي الكتاب وإلا والله لأجرّدنّكِ ولأضربن عنقك، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد خبأته في شعرها - وفي رواية في حُجزتِهَا - فخلُّوا سبيلها، ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأرسل إلى حاطب، فقال: هل تعرف هذا الكتاب؟ قال: نعم، وذكر الحديث»
فصل في النهي عن موالاة الكفار
هذه السورة أصل في النهي عن موالاة الكُفَّار، وقد تقدم نظيره، كقوله: {لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَآءَ} [آل عمران: 28] . وقوله: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} [آل عمران: 118] {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ} [المائدة: 51] .
روي أن حاطباً لما سمع {يا أيها الذين آمَنُواْ} غشي من الفرح بخطاب الإيمان.
قوله: «تُلقُون» . فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه تفسير لموالاتهم إياها.
الثاني: أنه استئناف إخبار بذلك، فلا يكون للجملة على هذين الوجهين محلّ من الإعراب.

الصفحة 5