كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 19)

الأول: أنه من قولهم: أثرت الحديث آثره، أَثراً، إذا حدثت به عن قوم في آثارهم، أي: بعدما ماتوا، هذا هو الأصل، ثم صار بمعنى الرواية عما كان.
والثاني: يؤثر على جميع السحر، وهذا يكون من الإيثارِ.
وقال أبو سعيد الضرير: يؤثر، أي: يُورَثُ.
قوله تعالى: {إِنْ هاذآ إِلاَّ قَوْلُ البشر} ، أي: هذا إلا كلام المخلوقين تختدع به القلوب كما يخدع بالسحر.
قال ابن الخطيب: ولو كان الأمر كذلك لتمكنوا من معارضته إذا طريقتهم في معرفة اللغة متقاربة.
قال السديُّ: يعني أنه من قول سيَّار عبد لبني الحضرمي، كان يجالس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فنسبوه إلى أنه تعلم منه ذلك.
وقيل: إنه أراد أنه تلقنه ممن ادعى النبوة قبله، فنسج على منوالهم.
قال ابن الخطيب وهذا الكلام يدل على أن الوليد كان يقولُ هذا الكلام عناداً، لما روي في الحديث المتقدم: «أنه لما سمع من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» حم «ثم خرج من عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول: لقد سمعتُ من محمدٍ كلاماً، ليس من كلام الجنِّ، ولا من كلام الإنس» الحديث، فلمَّا أقر بذلك في أول الأمر علمنا أن قوله - هاهنا -: {إِنْ هاذآ إِلاَّ قَوْلُ البشر} ، إنَّما ذكره عناداً، أو تمرداً لا اعتقاداً.
قوله تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} هذا بدل من قوله تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} . قاله الزمخشري.
فإن كان المراد بالصعود: المشقة، فالبدل واضح، وإن كان المراد: صخرة في جهنم - كما جاء في التفسير - فيعسر البدل، ويكون فيه شبه من بدل الاشتمال، لأن جهنم مشتملة على تلك الصخرة.
فصل في معنى الآية
المعنى: سأدخله سقر كي يصلى حرها، وإنما سميت «سَقَرَ» من سقرته الشمس: إذا أذابته ولوحته، وأحرقت جلدة وجهه، ولا ينصرف للتعريف والتأنيث قال ابن عباس: «سقر» اسم للطبقة السادسة من «جهنم» .
{وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ} . هذا مبالغة في وصفها، أي: وما أعلمك أي شيء هي؟ . وهي

الصفحة 515