كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 19)

قال السديُّ: كانوا في الدنيا إذا فزعوا تحصَّنوا في الجبال، فقال الله لهم: لا وزر يعصمكم يومئذٍ منِّي.
قوله تعالى: {إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر} . أي: المنتهى. [قاله قتادة، نظيره: «وأن إلى ربك المنتهى» ] .
وقال ابن مسعود: إلى ربك المصير والمرجع، أي: المستقر في الآخرة حيث يقره الله.
و «المُسْتقَرُّ» مبتدأ، خبره الجار قبله، ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى الاستقرار، وأن يكون مكان الاستقرار، و «يَوْمئذٍ» منصوب بفعل مقدر، ولا ينصب ب «مستقر» لأنه إن كان مصدراً فلتقدمه عليه، وإن كان مكاناً فلا عمل له ألبتة.
قوله: {يُنَبَّأُ الإنسان} . أي: يُخبَّر ابن آدم برّاً كان أو فاجراً يوم القيامة {بِمَا قَدَّمَ وَأخَّرَ} أي: بما أسلف من عمل خيراً أو شرّاً، أو أخَّر من سيِّئة أو صالحة يعمل بها بعده قاله ابن عباس وابن مسعود.
وقال ابن عباس أيضاً: بما قدَّم من المعصية، وأخَّر من الطاعة، وهو قول قتادة.
وقال ابن زيد: «بِما قدَّمَ» مرة من أمواله لنفسه «وأخَّرَ» خلَّف للورثة.
وقال الضحاك: «بِما قدَّم» من فرض «وأخَّرَ» من فرض.
وقال مجاهد والنخعيُّ: يُنَبَّأ بأوَّلِ عملٍ وآخره.
قال القشيري: وهذا الإيتاء يكون في القيامة عند وزن الأعمال، ويجوز أن يكون عند الموت.
قوله: {بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} . يجوز في «بَصِيرة» أوجه:
أحدها: أنها خبر عن الإنسان، و «على نفسه» متعلق ب «بصيرة» ، والمعنى: بل الإنسان بصيرة على نفسه.

الصفحة 555