كتاب تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (اسم الجزء: 19)

وقوله:
وفاتن الخلق ساحر الحلق ... منطق حيث حل بالحدق
خفت ظلالا عن ليل غرته ... فبان لي وجهه عن الفلق
بات صحفي وبت معتبقا ... لطيف كشح شهى معتنق
وقد خفينا عن الرقيب فما ... نم بنا عن يسرة العنق
وقوله:
وأزهر مثل البدر قد طاف موهنا ... علىّ بمثل الشمس من قرقف الخمر
فو الله ما أدري وقد علني ... أمن طرقه أم من مدامته سكرى
وقوله:
فارق نجد عوضا ممن يفارقه ... في الأرض وانصبت تلاف الرفه في النصب [5]
فالأسد لولا فراق الخيس ما فرست ... والسهم لولا فراق القوس لم تصب
كتب إِلَى أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن محمد بن حامد الكاتب ونقلته من خطه قال: مجد العرب علي بن محمد بن غالب [1] العامري؛ شاعر مبرز محقق، وله خاطر معجز مفلق، هو الداهية الدهياء وأعجوبة الدنيا، وله المفره النفا [2] والغرة الزهراء والرتبة الشماء، يصب الشعر في قالب السحر، ويباهي الفضلاء بالنظم والنثر ويصوغه في أسلوب غريب، ومهده على قانون عجيب، له اليد البيضاء في استخراج جواهر الأفكار من بحار الخواطر، والقدم الراسخة في اختراع معان هي على فلك الفضل بمنزلة النجوم الزواهر، كلماته متوافقة المعنى واللفظ، مستوفية من الحسن أكمل الحظ، قدم في سنة سبع وثلاثين وخمسمائة أصبهان، وكان مقيما بها إلى سنة ثمان وأربعين، وانهالت [3] التلامذة عليه، ومالت أعناق المستفيدين إليه، ومدح بقصائده الصدور، وشرح بفوائده الصدور وضاع [4] بها عرفه ولكن ضاع فيها عرفه فإنه غير محدود بفضله وكدى الزمان عذرا بمثله، لقيته يوما في الجامع في بعض المجامع ضيق الصدر متورع الفكر، مطرقا رأسه مصعدا أنفاسه، فسألته عن حاله فأنشدني من مقاله:
__________
[1] في الأصل: «محمد بن طالب» .
[2] هكذا في الأصل.
[3] في الأصل: «اسالت» .
[4] في الأصل: «وصاع» .

الصفحة 32