كتاب تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (اسم الجزء: 19)

عبس من شعر في الرأس مبتسم ... ما يفر البيض في اللمم
ظنت [1] مشيبته تبقى وما علمت ... أن الشبيبة مرقاة إلى الهرم
ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خلقي ... ولا وفائي ولا ديني ولا كرمي
وإنما اعتاص رأسي غير صبغته ... والشيب في الرأس غير الشيب في الشيم
بالنفس قائلة في يوم رحلتنا ... هواك عندي فسر إن شئت أو أقم
فبحت وحدا فلامتني فقلت لها ... لا تعذليه فلم يلؤم ولم يلم
لما صفا قلبه صفت سرائره ... والسر في كل صاف غير مكتتم
كيف المقام بأرض لا يخاف بها ... لا يرجى شيئا رمحي ولا قلمي
فقبلتني توديعا فقلت لها ... كفى فليس ارتشاف الخمر من شيمي
لو لم يكن حمرها ريقها لما انتظقت ... بلؤلؤ من حباب الثغر منتظم
ولو تيقنت غير الراح في فمها وزاد ... ما كنت ممن يصد اللثم باللثم
ريقها بردا يحدره ... على حصني برد من ثغرها الشيم
إني لأطرف [2] طرفي عن محاسنه ... تكرما وأكف الكف عن لمم
ولا أهم ولي نفس تنازعني ... استغفر الله إلا ساعة الحلم
لا أكفر الطيف نعمى أنشرت رمما ... منا كما تفعل الأرواح بالرمم
والطيف أفضل قولا إن لذته ... تخلو من الإثم والتنغيص والندم
حا ما حبا [3] فأغنتنا زيارته ... عن اعتساف الفلا بالأنيق الرسم
وصل الخيال ووصل الجود إن وصلت ... سيان ما أشبه الوجدان بالعدم
والدهر كالطيف بؤساه وأنعمه ... من غير قصد فلا تمدح ولا تلم
لا تمدح الدهر في بأساء يكشفها ... فلو أردت دوام البؤس لم يدم
خالف هواك فلولا أن أهوية ... سخر لما اقتنص العقبان بالرخم
ترجو الشفاء بجفنيها وسقمهما ... وهل رأيت شفاء جاء من سقم
وتدعى الصبا نجد فإن خطرت ... كانت جوى لك دون الناس كلهم
وكيف تطفئ صبا نجد صبابته ... والريح زائدة في كل مضطرم
أصبوا وأصحوا ولم يكلم ببائقة ... عرضي كما تكلم الأعراض بالكلم
__________
[1] في الأصل: «طبت» .
[2] في الأصل: «لا أطرق» .
[3] في الأصل: «حاب» .

الصفحة 39