كتاب تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (اسم الجزء: 19)

قرأت على أبي عبد الله الحنبلي بأصبهان، عن أبي طاهر التاجر، أنبأنا أبو القاسم ابن مندة إذنا عن أبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا اللغوي قال: حدثني أبو الحسين البصري قال: قال لي رجل: كنت أخدم علي بن الفرات وهو وزير فغضب عليه السلطان ونفذ بحبسه قال: وكانت عندي خمسمائة دينار- فقلت لامرأتي- وكانت ذات عقل ورزانة: إني أريد أن أحمل هذه الدنانير إلى الوزير لعله يحتاج إليها في حبسه، قالت: ويحك إن ابن الفرات لا يحمل إليه خمسمائة دينار، فإنه يستحقرها وصاحبها، قال: فغضبت امرأتي وحملت الدنانير ولطفت لبواب السجن حتى أذن لي عليه، فلما رآني تعجب وقال: فلان؟ فقلت: نعم، أيد الله سيدنا، قال: فما حاجتك؟
فأخرجت الصرة وقلت: هذه خمسمائة دينار لعلها تصلح أن تبر بها بوابا، أومأ: كلا! ثم قال: خذها تكون وديعة لي عندك، قال: فخجلت ورجعت إلى امرأتي وحدثتها، فقالت: قد كنت أشرت عليك ألا تفعل فأبيت، قال: ثم إن السلطان رضي عن الوزير وأفرج عنه بعد مديدة، وعاد إلى أفضل ما كان عليه فدخلت عليه، فلما بصرني طأطأ رأسه ولم يملأ مني عينه، فقلت: قد جاء ما قالته لي امرأتي وكنت أغدو إليه بعد وأروح، فلا يزداد إلا إعراضا عني حتى أنفقت تلك الدنانير وبقيت متعطلا أبيع ما في بيتي وثياب حالي، وبكرت إلى ابن الفرات يوما على ما بي من انكسار وضعف حال ومنه، فدعاني وقال: وردت البصرة سفني من بلاد الهند، فانحدر إليها وفسرها وأقبض حق بيت المال، وما كان من رسم المستثنى! فعدت إلى أهلي وقلت لها من تمام المحنة أنه كلفني سفرا وأنا لا أقدر على ما أنفقه، قال: فناولتني حمارا لها وقرطين، فبعت ذلك وجعلت ثمنه نفقتي وانحدرت وفسرت السفن، وقبضت حق بيت المال، وما كان من رسم الوزير فحملته إلى بغداد وعرفت الوزير، فقال: سلم بيت المال واقبض الرسم المثتنى لنا وكم هو؟ قلت له: خمسة وعشرون ألف دينار، قال:
أدّها إلى منزلك! فأخذت إلى منزلي وسهرت ليلي لحفظها على اهتمامي وطول نهاري بها، ومضى لهذا الحديث زمان ليس بالطويل وأبلغ ذلك إليّ، وأبان الضر في وجهي، فدخلت إليه يوما، فلما رآني قال: ادن مني ما لي أراك متغير اللون سيئ الحال؟ فحدثته بقصتي في إقلالي وإضافتي، فقال: ويحك وأنت ممن ينفق في مدة يسيرة خمسة وعشرين ألف دينار، قلت: أيد الله سيدنا الوزير من أين لي خمسة وعشرون ألف دينار؟ قال: يا جاهل! أما قلت لك احملها إلى منزلك أتراني لم أجد من أودعه مالي غيرك، ويحك

الصفحة 69