كتاب تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (اسم الجزء: 19)

أما رأيت إعراضي عنك حياء منك وتذكرت جميل صنعتك وأنا محبوس، وقلت: متى أقضي حق هذا فيما فعله، فجعل إلى منزلك واتسع في النفقة وأنا أنظر لك ما يغنيك ويغني عقبك إن شاء الله! فعدت إلى منزلي عودة عبد من حضرة مولى كريم وذلك سبب غنائي.
أنبأنا عبد الوهاب الأمين، عن محمد بن عبد الباقي الشاهد، أنبأنا أبو القاسم علي ابن المحسن بْن عَلِيّ التنوخي، عن أبيه قَالَ: حَدَّثَنِي أبو الحسين علي بن هشام قال:
حدثني أبو علي بن مقلة، وأبو عبد الله زنجي أنهم حضروا مجلس أبي الحسن بن الفرات في ثاني عيد الفطر سنة ست وتسعين وهي أول سني وزارته وأدخل إليه أبو أحمد عبيد اللَّه بْن عَبْد اللَّهِ بْن طاهر في نجفته وأجلس في مرتبته، فاستدعى ابن الفرات أحمد بن مروان وكيله فأسر إليه سرا، فبادر ودفع إلى حاجب أبي أحمد عشرة آلاف درهم فأعلمه الحاجب ذلك فشكره ونهض مبادرا مسرورا لعظم إضافته، فلما نهض أنشده لنفسه:
أَيَادِيكَ عِنْدِي مُعَظَّمَاتٌ جَلائِلُ ... طِوَالُ الْمَدَى شُكْرِي لهن قصير
فإن كنت عن شكري عنيا فإنني ... إلى شكر ما أوليتني لفقير
أنبأنا محمد بن حامد الضرير، عن زاهر بن طاهر الشحامي قال: كتب إليّ أبو القاسم بن أحمد: أن أبا أحمد المقرئ أخبره، عن أبي بكر الصولي قال: حدثني أحمد بن العباس النوفلي وكان جليسا لبني الفرات قال: سمعت الوزير قبل الوزارة يقول: ما رأيت أحدا قط في داري وعلى بابي ليس لي عنده إحسان إلا كنت أشد اهتماما بإيصال [1] ذلك إليه منه بطلبه والاحتيال له.
قال الصولي: وحدثني أبو أمية العلائي قال: ما رأيته قط رد أحدا عن حاجة رد آيس حتى يخلط ذلك بأمل يعقله فيقول: تعاودني، أو يقول: أعوضك من هذا، أو يقول: نمهل قليلا- أو شبيه هذا.
قال الصولي: وسمعت أبا أحمد عبيد اللَّه بْن عَبْد اللَّهِ بْن طاهر يقول: حين ولي ابن الفرات الوزارة ما افتقرت الوزارة إلى أحد قط افتقارها إليه.
قال الصولي: خرجت يوما مع أبي العباس بن النوفلي من داره- يعني ابن الفرات-
__________
[1] في الأصل: «باتصال» .

الصفحة 70